إن جاز التعبير فالتقييم العقاري كالميزان الحساس الذي توزن بواسطته السوق العقارية لمعرفة قوتها من ضعفها، وهو يؤثِر ويتأثَر، وسنسلط الضوء على العوامل الأكثر تأثيراً عليه سواء كانت داخلية "1" أم خارجية "2" مستدلين ببعض الأمثلة الواقعية لنتعرف على مدى التأثير الذي تحدثه على التقييم العقاري سواءً كان إيجابياً أم سلبياً.

توجد هنالك علاقة طردية بين كل من التقييم العقاري ونشاط السوق العقارية، والعامل الرئيس الذي يخلق تلك العلاقة هو محصلة التقييم النهائية فهي الأرقام التي تدل على ما يستحقه العقار من مال وبمعنى آخر قيمة العقار، فكلما توافرت المؤثرات الإيجابية على أحدهما أو كلاهما معاً زادت قيم العقارات والعكس صحيح.

وبشكل عام فالعوامل الإيجابية هي المسببة لخلق المناخ السليم الجاذب للسوق العقارية، وتتأثر بها عملية التقييم لتكون المحصلة تقييم عادل يمكن الاترشاد به.



بداية سنتناول العوامل الداخلية وأولها التشريعات والقوانين، وهي من أهم العوامل الداخلية التي لها تأثير كبير على التقييم العقاري.

فعلى مراحل متفاوته تم استصدار العديد من القوانين والتشريعات في مملكة البحرين والتي أسهمت في خلق المناخ الإيجابي للقطاع العقاري -بجميع تخصصاته- وتم جذب رؤوس أموال المستثمرين من الخارج إلى الداخل.

ومن أبرز تلك القوانين بل ويعتبر كتتويج لمسيرة القطاع العقاري في مملكة البحرين هو مصادقة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، على إصدار القانون رقم "27" لسنة 2017 والذي يتم بموجبه إنشاء مؤسسة التنظيم العقاري، فمن خلالها ستحل الكثير من النواقص في القطاع العقاري وستخلق سوقاً عقارياً آمناً ذا قاعدة قانونية صلبة وستنظم المهن العقارية بجميع تخصصاتها بما فيهم مهنة التقييم العقاري من خلال تطبيق المعايير الدولية للتقييم حيث سترتقي بهم ليقدموا خدمات عقارية ذات جودة وباحترافية، وبالتأكيد فإن حصيلته هي بيئة عقارية جاذبة للمستثمرين.

ومؤخراً حدثت ضجة كبيرة في الوسط العقاري وذلك بما يختص القرار رقم 11 لسنة 2017 الصادر عن وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني بشأن تحديد فئات وآلية تحصيل كلفة إنشاء وتطوير البنية التحتية في مناطق التعمير القائمة والتي توجد فيها مرافق، وفحوى هذا القرار هو فرض رسوم على المطورين العقاريين تقدر بـ12 ديناراً لكل متر مربع من صافي المساحة المراد تطويرها مع إضافات مالية أخرى في حال إن رغب المطور في زيادة القوة الكهربائية وحجم شبكة الماء والصرف الصحي.

وما يهمنا في هذا المقال، هل سيكون لهذا القرار آثار سلبية على قوة السوق العقارية وبالتالي على التقييم العقاري أم لا؟

الجواب: من وجهة نظري كمقيم عقاري فإن السنة الأولى من تطبيق هذا القرار سيعيد فيها المطور العقاري حساباته ولربما يتراجع عن تطوير مشاريع عقارية مميزه ولربما أفضل من مشاريع سابقة قد ساهمت في إعطاء صورة حضارية جميلة لمملكة البحرين، وهذا التراجع سيؤدي إلى ركود في طلبات شراء الأراضي بكافة تصانيفها العمرانية وسيؤثر على قيمها سلباً، وإن وجد من سيغامر بتطوير مشروعه فلا ننسى بإن المطور العقاري -مهما كان حجم العقار الذي يريد تطويره والاستثمار فيه- لديه معادلة حسابية يعمل بموجبها وهي كم سينفق من مصاريف وجهد ووقت ليجد في المحصلة الربحية التي تتناسب وذلك، فلو افترضنا بأن المطور أراد تأجير أو بيع العقار فهل ستكون الربحية المتوقعة لديه بمثل ما قبل صدور هذا القرار؟ بالطبع لن تكون كذلك، فحينها سيضطر لزيادة قيمة العقار سواء كان بغرض البيع أو التأجير ويعتبر هذا مبلغاً إضافياً على القيمة السوقية للعقار مما سيترتب عليه حدوث تضخم في قيم العقارات، وبالتأكيد ستتأثر سلباً جميع القطاعات التجارية التي لها صلة مباشرة مع القطاع العقاري كالبنوك ومقاولي البناء والمكاتب الهندسية وشركات بيع مواد البناء والديكور.. إلخ.

وخلاصة حديثنا، بما أن القطاع العقاري هو أحد أهم القطاعات الاقتصادية المساهمة في الناتج المحلي للدول، ومن حق أي دولة في العالم فرض الرسوم على الخدمات التي تقدمها، ولكن لتفادي الركود الاقتصادي الذي تتحاشاه الدول تكون الرسوم المفروضة ملائمة للجميع، ومملكة البحرين مازالت تحتاج للمزيد من الاستثمارات العقارية التي تعود عليها بالنفع.

(1) نقصد بها تلك العوامل التي تحدث في بلد العقار محل التقييم

(2) نقصد بها تلك العوامل التي تحدث في المحيط الخارجي من بلد العقار محل التقييم وتنعكس آثارها على بلد العقار

أحمد محمد الريس

محكم تجاري وخبير معتمد لدى مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون