المراقب من خارج الدائرة يرى ما لا يراه من هم داخلها، لذلك حين أتابع المتغيرات التي جرت على أبناء الإمارات في السنتين الماضيتين أرى تغيراً قد لا يلحظه الإماراتيون أنفسهم.

هناك طفرة في نمو الشخصية الإماراتية أحرفت مراحل نموها الطبيعي وكبرت بسرعة.

أتابع شباب الإمارات وهم يدافعون عن قضيتهم بأنفسهم بلا اتكال على أي من المقيمين أو الأجانب فاتباع سرعة بديهة سعيد الريسي الشاب الإماراتي الأسمر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو استمع إلى جزالة اللغة ورخامة الصوت لأحمد اليماحي على قناة أبوظبي أو اقرأ لضرار الفلاسي أو ماجد الرئيسي، أو أي من شباب الإمارات الذين برزوا في الآونة الأخيرة وانتشرت أقوالهم وهم يعلقون كتابة أو شفاهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الأحداث التي تمر بها دولتهم كاستشهاد جنودهم في اليمن أو يبدون رأيهم في مشاركة أفراد الأسرة الحاكمة في القوات المسلحة وعلى وجودهم في الجبهة وعلى إصابة أحد أفراد أسرة آل نهيان الشيخ زايد بن حمدان في الحد الجنوبي في اليمن أو يعلقون على أزمة قطر أو يردون على حملة التشويهات التي تقودها قطر ضد دولتهم فأصل إلى نتيجة مفادها أن الشعب الإماراتي وإن كان شعباً فتياً كدولته إلا أنه خلال العامين الماضيين كبر بسرعة ونضج بسرعة واكتسب مهارات رائعة في زمن قياسي، فجأة رأينا أمامنا إنساناً أكبر من عمره الزمني فكراً وعقلاً ومنطقاً وحجة، إنسان اكتسب خبرة وتجربة تفوق عمره الزمني يثير إعجابك ويشد انتباهك بثقته بنفسه وبقدرته على امتلاك ناصية الجدل وقيادته لصالحه لبر الأمان غير معتمد على كتاب أو أدباء أو مثقفين غير إماراتيين مدافعين عن «الدولة» الإماراتية أكثر من فزعة وطن.

دولة الإمارات العربية المتحدة دولة فتية صغيرة في العمر الزمني لقيام الدول بالكاد تكمل النصف قرن منذ تأسيسها كدولة تضم سبع إمارات متحدة اتحاد كونفدرالي، لها جيش واحد ولها حاكم واحد ولها دستورها وسلطاتها، وتلك فترة ليست كافية في عمر الشعوب كي تنصهر اختلافاته ونسيجه الاجتماعي بل ليست كافية لتراكم خبرات وتجارب تصقل الذاكرة الوطنية لاتحاد كونفدرالي والأهم ليست كافية لتجعل مهمة الدفاع عن كيانها السياسي المتوحد «كدولة» أنت تتحدث عن جيلين فقط، إنما الدول كائن حي كالبشر ينمو ويكبر وينضج بل ويهرم أحياناً ويعود ويتجدد مرة أخرى، والذاكرة الشعبية لمواطني الدول هي مخزونه الفكري وعصارته وخلاصة تجاربه وخبراته، ومن خلالها تعرف مدى نضج الدولة وحجم خبراتها التي اكتسبتها خلال مراحلها الزمنية منذ فترة التكوين إلى اليوم، وخلال العامين المنصرمين أي منذ عام 2015 والإمارات أحرقت المراحل الزمنية لعمر ذاكرة شعبها الوطنية وقفزت بها 50 عاماً إضافية للأمام لتنمو ذاكرتها وتتراكم تجاربها بشكل سريع أنضجتها الأحداث الأخيرة كالمايكرويف متجاوزة أعواماً وعقوداً، أعطاها نضجاً في هذين العامين يفوق ما اكتسبته خلال السنوات الـ 50 الماضية، وهذا ما تفعله عادة ظروف غير اعتيادية تمر بها الشعوب، حين تخوض حرباً على سبيل المثال أو حين تشعر بوجود مهددات لها ولكيانها، تماماً كالكائن البشري الذي يشحذ طاقته إن فوجئ بظرف طارئ يهدد كينونته، فيستنفر ويستنهض قوته وينفض عنه غبار الكسل ويخرج كل ما يمكنه من طاقة وإن كانت موجودة إلا أنها كانت مسترخية.

هكذا هو شعب الإمارات الآن يكبر وينضج بأسرع من معدلات النمو الطبيعية يفاجئك بوعيه بتمسكه وعضه على النواجذ لدولة فتية كالإمارات أعطته في فترة قياسية من العطاء الجزيل ما جعله يبذل لها الغالي والنفيس ويقدم لها أعز ما يملك ولا يتردد ببذل المزيد، لاحظوا أنا لا أتكلم عن وطن أنا أتكلم عن كيان سياسي عن «دولة».

لم أسمع ولم أقرأ ولم أتابع بل لم أميز بين شبابه في أي إمارة يسكنون أو إلى أي قبيلة ينتمون بل وجدت وعياً وإدراكاً بعمق «الدولة» راسخاً في منطق من يتحدث حتى وإن كان إنساناً بسيطاً كأمهات الشهداء وهن يؤكدن على أنهن مستعدات لتقديم باقي أبنائهن فداءً «للدولة» لاحظ الإدراك العميق لمصطلح «الدولة» ذلك وعي متقدم جداً وإنجاز كبير لأي حكم أو نظام سياسي يبذل جهداً وينتظر سنوات قد تمتد لعقود أو حتى لقرون ليصل بمجتمعه إلى وعي بأهمية وضرورة «الدولة» كنظام سياسي وكسلطات في حياته وفي هويته وانتمائه، في حين نجح حكام الإمارات السبع بحنكتهم وإيثارهم وبتنازلهم لبعضهم البعض وقبولهم بتوزيع الأدوار فيما بينهم وبحسن إدارتهم للموارد وبتطبيقهم القانون على أنفسهم قبل أن يطلبوه من مواطنيهم وبتواجد أبنائهم في الجبهات جنباً إلى جنب عيال الإمارات نجحوا أن يجتازوا بشعبهم أصعب المحن ويخلقوا منهم مواطنين يعتزون ويفاخرون بل ويضحون من أجل كيانهم السياسي كمكتسب والأهم أن هذه الظروف علمت الإماراتي أنه لا يحك ظهرك غير ظفرك وأن مئات وآلاف غير الإماراتيين لا وجود ولا حضور لهم في هذه الأزمة، فلا أحد منهم «يروم» كالإماراتي في دفاعه عن دولته.