صادف يوم أمس 15 أغسطس ذكرى وفاة الأديب والدبلوماسي غازي القصيبي (1940 _ 2010) الذي رحل بعد سنوات كان فيها أحد أبرز رموز المشهد الثقافي العربي، وصاحب شخصية مضيئة وفريدة تشع بالحياة، جمعت السياسة والإدارة و الأدب . كما كانت له في كل مجال بصماته الخالدة العصية على عوامل الزمن.

صاحب "العصفورية" و"شقة الحرية" و"حياة في الإدارة" استأثر بتجربة حضارية ورحلة زاخرة مر فيها بسجالات فكرية مع ما يسمى ب" الصحوة " حينما ركز رايته "في عين العاصفة" زاويته المقالية الأشهر .

طفولة مغلفة بالحزن

عاش القصيبي - حسب تقرير نشرته العربية نت - طفولة مغلفة بالحزن بسبب رحيل والدته بمرض التيفوئيد. ولعل هذه الطفولة التي لم تكن مثالية لطفل يتيم بلا أقران في عمره، حيث يفصل بينه وبين أقرب إخوته 5 أعوام، هي التي منحته عزلة مبكرة وهدوءا حتى انتقل مع أسرته إلى البحرين، وهناك تشكلت مرحلة مهمة في حياته على المستوى الشخصي والفكري، وصفها الطفل القادم من الاحساء بـ"الصدمة الحضارية".

وعن جزء من ملامح طفولته هذه، قال القصيبي: "كنت أكره الظلام وأبحث عن النور، وهوايتي هي مطاردة الذين يقفلون الأنوار لفتحها".

إنتاجه الأدبي الأول "أشعار من جزائر اللؤلؤ" الذي أصدره عام 1960 وصفه بـ "الوثيقة التاريخية الهامة لمرحلة المراهق، وهنا يشار إلى أن تعريف القصيبي للمراهق فلسفيا بأنه "نصف طفل ونصف رجل يعاني ما يعانيه الأطفال والرجال"، "ورغم اعترافه بأنه لم يكن ديوانه ناضجا شعرياً (كون قصائده كتبت في سن مبكرة لم يكن يتجاوز حينها ال19 عاما)؛ إلا أنه اعترف بأنه كان أصدق دواوينه لوضوحه وبساطته، ولم يتخلص منه أو يتوارى خلفه كغيره.

قصة طرفة في القاهرة

انتقل بعد ذلك إلى القاهرة لدراسة الثانوية فتنازعته مشاعر الخوف والغربة وهذا المزيج شكل ملامح ديوانه. استثمر وجوده في القاهرة منارة الفكر والثقافة في عصرها، وكشف عن قصة مثيرة وطريفة في الوقت نفسه، حصلت معه عندما لم يستطع نشر قصيدة باسمه في ظل وجود أسماء فاقته تجربة وشهرة.

وتقدم هذه القصة التي رواها لاحقاً في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي محمد رضا نصرالله دروساً مختلفة في أكثر من اتجاه، حيث روى القصيبي تلك التجربة قائلاً: "كنت طالبا في الثانوية، وحريصا أن ينشر لي شيء وكان جودت ينشر لكبار الشعراء مثل نزار قباني ، و سعيد عقل، وشفيق معلوف وكنت أحب لسبب أو لآخر أن أنشر شعري هناك، وارتكبت خطأ استراتيجيا عندما كتبت قصيدتي وذكرت بأني طالب في الثانوية فرد علي بأن هذه القصيدة ماتزال برعماً واقرأ وواصل التعمق.

وواصل القصيبي حديثه، قائلاً: "اقترح علي أخي الذي يكبرني ب7 سنوات وكان أعرف أكثر مني بالطبيعة البشرية، وكتب لصالح جودت بعدها بأسبوع نخصكم بقصيدة من شعرنا الذي لم ينشر في أي من دواوينا بعد بصيغة الجمع، وكانت قصيدة من المفترض أن تكون أضعف ووجدت أنها نشرت باسم محمد العليني. واستمريت أنشر إلى عام 1958 حين زرت صالح جودت وقلت له آن الأوان أن أنشر باسمي الحقيقي وقصتي كذا.. فضحك، ولم يشعر بالحرج وروى لي قصصا عن تأثير الأسماء وكان هذا درسا تلقيته في سن مبكرة ومفاده أننا كثيراً مانحكم على الأسماء دون أن نتعمق في المضمون".