فاطمة عبدالله خليل

أكد صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أن قطر اعترفت بتدخلها في شؤون الغير ودعم المنظمات الإرهابية.

وأضاف في لقاء مع "الوطن" وجود مشكلة خليجية مع قطر ولكن الإعلام يهول الأمر ويظهره كأزمة وجود، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنه كان هناك محاولات خليجية لثني قطر عن ممارساتها المربكة والمريبة والمرفوضة خلال الأعوام الـ15 الماضية ولم تلتزم بها الدوحة.



ودعا سموه أن تتجاوب القيادة القطرية مع المنطلقات التي انطلق منها مجلس التعاون الخليجي، فما يجمعنا في المجلس أكثر مما يفرقنا.

وتطرق سموه، والذي شغل سابقاً منصب رئيس الاستخبارات العامة السعودية، وكان سفيراً لدى الولايات المتحدة الأمريكية وقبلها المملكة المتحدة البريطانية، إلى ما يدور من مشاكل في إيران، حيث قال "إن الشعب الإيراني يستحق أن يكون له جهة ما تحرص على تخليصه من هذا الحكم المستبد الذي يقهر ولا يطور الشعب".. وفيما يلي نص اللقاء..

= كيف يرى سموكم أفق الأزمة الخليجية؟

- في الحقيقية أنا مراقب وليس لي صلة مباشرة بالتداولات والمداولات الرسمية، وما نعرفه حول الأزمة أن الاتفاقية التي وقعت بين قيادات دول مجلس التعاون تحت مظلة المجلس، ولكن هذه الاتفافية لم تنفذ من قبل قطر، كما إن الدول الثلاث التي اتخذت إجراءات مقاطعة قطر تطالب بتنفيذ الاتفاقية ولكلا الأمرين تبعات.

فإذا نفذت قطر المطالب فإننا إخوة وأشقاء ومصيرنا واحد ولنا أرض واحدة، تجمعنا كل الأواصر والمشاعر والمحبة والعلاقات الأخوية والمودة، وإذا لم تنفذ قطر تلك المطالب أيضاً هنالك تبعات وهي الإجراءات العقابية لعدم تنفيذ اتفاق موقع.

أنا كمراقب لا أرى أن هناك مشكلة كبيرة كما يصور في الإعلام وكأننا في أزمة وجود، الشرط عقيدة المتعاقد، والشروط التي وضعت في الاتفاقية فعلى الطرفين تنفيذ ما عليهم. نتأمل ونتوقع الأفضل ونرجو أن تتجاوب القيادة القطرية مع المنطلقات التي انطلق منها مجلس التعاون الخليجي، فما يجمعنا في المجلس أكثر مما يفرقنا.

= في ظل التمرد القطري القديم، لماذا تأخرت دول الخليج في التدخل؟ لماذا لم تتدخل السعودية لرأي الصدع منذ البداية؟

- خلال الـ15 سنة الماضية كان هناك محاولات خليجية لثني قطر عن ممارساتها المربكة والمريبة والمرفوضة، ومن بين تلك المحاولات الاتفاقية محل الخلاف والتي لم تلتزم قطر بها، وكان هذا نابعاً من حسن نية من الدول المتأثرة من السلوك القطري، ورأت أن تعطي للقيادة القطرية أكبر فرصة ممكنة للتعديل من مسارها وأن تتمثل بالحكمة والانضباط في التزاماتها تجاه شقيقاتها في دول مجلس التعاون. لكن عندما بلغ السيل الزبى رأت هذه الدول أن لا جدوى من الانتظار، فاتخذت الإجراءات التي اتخذتها تنفيذاً لبنود الاتفاق الذي وقعت عليه قطر.

القيادة القطرية عندما وقعت على الاتفاقية بشروطها وبنودها التي نصت على إجراءات محددة لقطر أن تقوم بها، اعترفت بأنها قامت بهذه الأمور وأنها ملزمة بإنهاء ما قامت به، فهناك اعتراف قطري صريح بأنها تتدخل في شؤون الغير ودعمت المنظمات الإرهابية وكل ما ورد في بنود هذه الاتفاقية.

= أظهر سموكم دعمه للمعارضة الإيرانية، فما جدوى هذا الدعم؟

- إذا كان هنالك دعم للمعارضة الإيرانية فإنما هو دعم معنوي، وليس لدي ما يمكن تقديمه خلاف ذلك، فالكل يعرف أن هذه المعارضة منذ أن قامت الثورة ضد الشاه في إيران، كان لهؤلاء "أي المعارضة" نصيب كبير جداً في قيام الثورة، ثم بعد أن نجحت الثورة بالتخلص من الشاه، انقلب الخميني ليس على هؤلاء فقط وإنما على جماعته أيضاً، ومنهم نائبه والوريث الشرعي له "منتظري"، إذ بعد فترة من الزمن انقلب الخميني على هذا الوريث واضطهده إلى أن توفي.

والمعارضة الإيرانية تشكل رأس حربة لمساعدة الشعب الإيراني ضد الحكم الطاغي والمستبد في إيران، والذي من أول ضحاياه هم الشعب الإيراني. فالثورة الإيرانية أكلت من أهل إيران أكثر من أي تدخل أجنبي أو ما وقع في حرب العراق ضد إيران في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، فالشعب الإيراني يستحق أن يكون له جهة ما تحرص على تخليصه من هذا الحكم المستبد الذي يقهر ولا يطور الشعب.

= الشعب الأحوازي في حركة نضال مستمرة، هل تؤيد دعم الأحوازيين وضم حركتهم ولو كمراقب بمجلس التعاون؟

- لست في منصب المطلع على خفايا الأمور ولم أرى من دول مجلس التعاون ومن ضمنها المملكة العربية السعودية اتخاذ موقف تجاه "الأحواز"، وليس من واجبي التعبير عن رأيي في أمر لم تعبر عنه قياداتنا في دول المجلس.

ولكني أعتقد أن كل الشعوب في دول المنطقة لديها الحق أن تعيش في سلم واستقرار وقدرة على النمو والتطور. أما تفاصيل حقوق الشعب الأحوازي فلا يمكنني الحديث عنها لأني أتبع قياداتنا في دول مجلس التعاون ولا أبحث عن التصريحات الصحفية والظهور في قضايا وموضوعات ليست ضمن دائرة اهتمامي المباشر أو متابعتي.

= بدا الموقف الأمريكي مرتبكاً على نحو غير مفهوم إزاء الأزمة الخليجية، لا سيما بين تصريحات البنتاغون وتصريحات ترامب.. كيف تفسر هذا التناقض؟

- لا أعتقد حتى اللحظة أن هناك من يقدر على تفسير ما تقوم به الإدارة الأمريكية الجديدة وما تتابعه من ملفات وهي في سنتها الأولى، حيث إن تكوينها وتشكيلها البيروقراطي لم يكتمل بعد.

وحسبما نقرأ في الصحف الأمريكية ونسمع من الرئيس ترامب والقيادات الأمريكية، أنه ما يزال لديهم بعض الأمور لم يتم تحديد المسارات أو سياسة معينة تجاهها، وأعتقد من ضمنها مسألة الخليج بصفة عامة وليس دول مجلس التعاون، بل بما يشمل أيضاً إيران والعراق وغيرها.

وبالنسبة لمشكلة قطر بالذات فإن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال وزير خارجيتها وذهابه إلى الرياض ثم إلى الكويت وقطر وغيرها من الدول؛ البحرين والإمارات ثم إلى مصر، ما شاهدته من هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى اتفاقية مع قطر للتعامل مع متطلبات الولايات المتحدة، وهو موضوع تمويل الإرهاب وتعامل قطر مع المنظمات الإرهابية، لكن لم أرى بالإضافة إلى ذلك الأمور الأخرى التي تعني دول المقاطعة وموقفها من قطر، وبالذات موضوع التدخلات السلبية القطرية في شؤون هذه الدول.

يبدو لي كأن الولايات المتحدة -أو على الأقل وزير خارجيتها- نال ما يريده من قطر ثم لم يلتفت إلى ما تريده الدول الأخرى، ومازال هناك ما يستوجب عمله لتنفيذ الاتفاقية التي وقعت عليها قطر مع بقية دول مجلس التعاون.

= يبدو أن الخليج العربي شهد منافسة بين أمريكا والمملكة المتحدة مؤخراً، ثم شهد دخولاً للاتحاد الأوروبي على نفس الخط..كيف تقرأ ذلك؟

- حقيقة لا أرى أن هناك تنافساً بينهم، وإنما هو توافق وتنسيق مستمر بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها التقليديين، ليس فقط في الخليج العربي وإنما في العالم كله، في أوروبا، في مشاكل مع روسيا مثلاً، في المواقف من الصين وتطلعاتها في بحر الصين، أرى الأمريكان والأوروبيين والبريطانيين لديهم شيء من التوافق في هذه الأمور وأعتقد كذلك أن هذا التوافق يجري على قضايا الخليج العربي ودول مجلس التعاون الخليجي، وبهذا فإني أرى أنهم مكملين لبعضهم أكثر من دخولهم في دائرة المنافسة.

وإذا كانت أوروبا مستعدة لعودة الخليج العربي للحضن الأوروبي فلا مانع من ذلك، ولكن أوروبا لديها مشاكلها مؤخراً، كما شاهدنا في خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وإن صح التعبير فإن هذا ضربة للحلم الأوروبي الذي كان عليه أن يجمع جميع الأوروبيين في بوتقة واحدة وكيان واحد، فمشاكلهم لعلها تدعو لحاجتهم لمن يحتضنهم بدل أن يقوموا باحتضان دول أخرى، ولكن إن أبدوا هم استعدادهم لذلك فلا أظن أن دول مجلس التعاون ستتردد في ذلك.

= طريق الحرير الصيني قد يشكل قفزة نوعية في الاقتصاد العالمي، لتسيطر الصين فيه على أغلب خطوط التجارة وأنشطتها. وقد يشكل ذلك تهديداً للنفوذ الأمريكي في العالم من جهة وتهديداً للعلاقات الخليجية مع الصين في ظل الحضور الإيراني على الطريق من جهة أخرى. فما الموقف الأمريكي من طريق الحرير الاقتصادي وتبعاته على العلاقات الخليجية مع الصين وأمريكا وعلى مستوى النفوذ الإيراني في المنطقة على حساب الخليج العربي؟

- لا يمكنني الحديث عن الولايات المتحدة في علاقتها مع الصين ولا حتى العلاقات الصينية الإيرانية، ولكن بالنسبة لنا في دول مجلس التعاون الخليجي خاصة المملكة العربية السعودية فلدينا علاقات قوية ووطيدة مع الصين، منذ أن خرجت الصين من قمقم الشيوعية الماركسية الكلاسيكية وبدأت تتعامل مع العالم كعنصر إيجابي في التطوير والتنمية والاستقرار، وهذه العلاقة أعتقد أنها ستتطور أكثر من خلال مشروع الصين "طريق الحرير" وتاريخياً العلاقات بين الجزيرة العربية والصين كانت مبنية على التجارة، وأول مكونات عربية إسلامية في الصين بعد البعثة المحمدية أتت من خلال التجار، مكونة جاليات مسلمة في الشرق الصيني عبر التاريخ لخدمة هذه التجارة والمصالح التجارية.

وأرى في الأمر مزيداً من التطور بالوسائل الحديثة للاتصالات، ليس من خلال الوسائل التقليدية كالطيران والبواخر والسيارات وحسب؛ وإنما حتى من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فالصين لديها ما يمكن أن يطور كثير من الآفاق بدول مجلس التعاون وخصوصاً المملكة العربية السعودية ونقل الخبرات والمعارف وأساليبها في مجال التصنيع وتطوير التقنية وتوسيع مجال التعامل التجاري مع كل الدول.

= يهدد ترامب بإجراءات ضد الاتفاق النووي الإيراني، ما المدخل المتوقع اللجوء له لإفساد الاتفاق؟ وهل تتوقع أن يتم اتخاذ قرار مقاطعة قريبا تجاه إيران لدعمها للإرهاب من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى؟

- أعتقد أن الاتفاقية التي عقدت بين دول 5+1 مع إيران لو اعتبرت كخطوة أولى تجاه تخليص منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، فهي ستكون خطوة إيجابية، وما يجب أن يكتفى بما نصت عليه هذه الاتفاقية، فمن ضمن المسائل المقلقة لهذه الاتفاقية أنها حددت وقتها بـ15 سنة تلتزم فيها إيران بإشراف ومتابعة دقيقة مع الدول الموقعة على الاتفاقية ومن قبل الهيئات الدولية المعنية بحظر انتشار الأسلحة النووية.

السؤال ما الذي سيحدث لهذا الضمان المحدد بـ15 عاماً بعد انقضائها؟ ونحن إن اطلعنا على تاريخ العالم فـ15 عاماً لا تشكل حتى رمشة من رمشة عين في مجال التاريخ البشري، وقد انقضت الآن حوالي ثلاث سنوات منذ تم توقيع الاتفاقية، وعلينا أن نعمل باتجاه دعم ذلك وتمديد المدة لو وجدنا من الرئيس الأمريكي استجابة لهذا الطرح، إذ سيكون مفيداً لنا أكثر من السعي لتعطيل هذه الاتفاقية.

ولم أرى على الرغم من التصريحات التي صدرت من الرئيس ترامب وغيره من المسؤولين الأمريكيين أي خطوات اتخذت لإفساد الاتفاقية، وأظن في الشهر الماضي صادقت الولايات المتحدة الأمريكية أن إيران ملتزمة بتنفيذ الاتفاقية وطريقة المتابعة الموجودة في نص الاتفاقية، بأن يصدر تأكيد من الدول الموقعة بالتزام إيران ستستمر.

خشيتي أنا مما سيأتي بعد انتهاء تلك المدة، ولذلك علينا في دول مجلس التعاون خاصة ناهيك عما يهم الولايات المتحدة والدول الست الموقعة علينا العمل منذ الآن لليوم الذي تنتهي فيه هذه المدة، في ظل تصوري الشخصي وفي ظل ما نشاهده من القيادة الإيرانية الحالية، إيران ستدفع بتطوير أسلحة نووية وغيرها حالما تنتهي هذه الاتفاقية.

فيجب أن نتحسب للأمر ونتخذ كافة الإجراءات اللازمة منذ الآن وبقي لدينا 12 سنة تقريباً، وعلينا أن نكون من الإمكانيات البشرية والمادية من هذا التوجه الإيراني القادم، فنناشد ومتأكد من أن قياداتنا في دول مجلس التعاون في الحسبان وتحت أنظارها.

= اتهمت وسائل إعلام عدة سموكم بالتطبيع.. ما تعليقكم على ذلك؟

- لا أدري ما المقصود بالتطبيع بالضبط، هل يعني الجلوس مع شخص أختلف معه على أسس العلاقة بين بلدينا؟ فإن كان هذا تطبيعاً فأنا مطبّع، لكني لم أجلس مع مسؤولين إسرائيليين، جلست مع مسؤولين سابقين مثلي مسؤول سابق، وبالتالي لا يحسب على المملكة ما أقوم به.

وفي مفهومي يجب أن نأخذ ونعطي مع الآخر إزاء أي مشكلة، وبالتالي لم أجد ما قمت به من تواصل مع مسؤولين سابقين إسرائيليين ما يضر بالمصلحة العامة في مشكلة فلسطين إن كان هذا الموضوع المقصود من التطبيع، ولا يشكل جلوسي مع مسؤول سابق إسرائيلي لا اعتراف دبلوماسي ولا مصلحة اقتصادية أو أي شيء من ذلك، وإنما هو وسيلة لإبلاغ المواطن الإسرائيلي بأن هناك وجهة نظر تختلف عما يسمعه من قبل المسؤولين وغيرهم في إسرائيل، إبلاغه ليس بآرائي الشخصية وإنما بوجهات نظر العالم العربي والإسلامي عموماً فيما يتعلق بقية القدس. ولم أخرج عن أي مبدأ من مبادئ المبادرة العربية أو التعامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي مع كيان إسرائيل.