نقول في أمثالنا الشعبية «حصاة في درب المسلمين»، وبالعكس يقول نص مشابه «حصاة زرت عن درب المسلمين».

وهذا المثل يورد بهدف وصف تلك النفسيات التي تضج بها مجتمعاتنا من بشر بات شغفهم «التعسير» على البشر، ووضع العراقيل أمامهم، والتنغيص عليهم في حياتهم ورزقهم.

على النقيض تماماً من هذا المثل، ورد في الحديث الشريف عن رسولنا الكريم صلوات الله عليه قوله «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، إلى آخر الحديث الشريف.

دائماً ما أقول للقريبين مني من أصحاب وأقارب، بأنك إن استطعت أن تخدم الناس وتساعدهم بما يرضي الله ويحقق لك الرضا الداخلي عن نفسك فافعل، فمساعدة الناس والتسهيل في شأن أمورهم لو امتلكت القدرة، بقدر ما هي حسنات تكتب لك في صفحتك وتفيدك في يوم لا يغني فيه أحد عن أحد، بقدر ما هي بداية لخير يطالك في الدنيا، فكرامة عمل الخير ومساعدة الناس يجازي بها الله عبده في حياته وبصور ووسائل شتى، يكفي أن أبلغها هو حفظه لك من الشر والسوء والابتلاء في الصحة أو المال أو الولد.

بتبسيط الأمور، هي بمثابة تلك النصيحة الذهبية التي يقدرها من يريد التصالح مع نفسه، ومن يبحث عن السلام الداخلي، والقائلة بكلمات معدودة معانيها غير محدودة «اعمل خيراً، تلقى خيراً، والعكس صحيح».

هناك نوعيات من البشر تجد «لذتها» في معاداة البشر الآخرين، في سد أبواب الرزق أمامهم، وفي وضع العراقيل والصعوبات أمامهم. خاصة لو امتلكت تلك النوعيات صلاحيات اتخاذ قرارات، أو التحكم إدارياً في مصائر البشر باعتبارهم موظفين يتبعون لهم في التراتبية الإدارية.

البعض لا ينتبه إلى خطورة هذه الممارسات، ينسى بأن امتلاك صلاحية اتخاذ قرارات تمس البشر ليست بنعمة قبل أن تكون نقمة، خاصة وإن مورست بطريقة غير سوية، تخدم أفراداً معينين، وتضر آخرين.

لنسأل أنفسنا قبل مساءلة الآخرين، هل مر علينا في يوم ما وضع كان فيه بمقدورنا مساعدة آخرين ولم نفعل؟! هل مر علينا في يوم ما وضع امتلكنا فيه القدرة على الإضرار بالناس، وعرقلة أمورهم، وخلق صعوبات أمامهم لتعطيل أمورهم، أو تخريب أرزاقهم المقدرة، وفعلناها عمداً وعن قصد؟!

من أخطر الأمور التي تنافي توجيه رسولنا الكريم، وتعارض توجيهات المولى عز وجل، هو أن تتحول إلى «حصاة» في طريق المسلمين، هو أن تتعمد إيذاءهم وتنغيص حياتهم، تتحول لما أشبه بالهاوية التي تريد لهم أن يقعوا فيها، حتى لا يطالهم الخير، سواء أكان ذلك نابعاً عن حسد وغيرة أو حتى نزعة سادية غير سوية تتلذذ بإيذاء البشر.

مرت علي حالات عديدة في الجانب الإداري، رأيت كيف يتحول مسؤولون إلى مرضى نفسيين، همهم إيذاء الموظفين، وتعطيل أمورهم، وحرمانهم من حقوقهم، وقطع أي طريق للخير أمامهم، في وقت كانوا يملكون فيه أن يتعاملوا بنفس سوية خالية من الأمراض، فيسهلون على الناس، ويسعون في الخير لهم.

من يتحول لـ«حصاة» في طريق المسلمين، ليس سوى إنسان مريض لا يحب الخير لأحد سواه، وإن كان بيده حرمان غيره من هذا الخير فلن يتردد، هؤلاء تطالهم دعوات الناس لا محالة، وما أخطرها من دعوة حين تصدر عمن تضرر بسبب أمراضهم النفسية وأعمالهم غير السوية، حين يرفع يده للمولى عز وجل ويقول «حسبي الله ونعم الوكيل».

كثيرة هي القصص والشواهد التي تثبت بأن دعوات المظلومين تلقى طريقها مباشرة لخالقها، والله، وهو «القدر» من يتفنن في أخذ الحقوق، فترى تلك «الحصاة» التي سخرت نفسها في درب المسلمين، تراها تتحول بقدرة قادر إلى حصاة «زرت» عن دربهم، وأشغلها الله بنفسها وبالضرر الذي يطالها في صحتها وأهلها ومالها.

كن وسيلة خير، وساعد الناس، ولا تكن وسيلة شر، كما الشيطان المتربص لكل خير يكتبه الله ليمنعه عن أصحابه.