البعض قد يصفها بـ«تقلبات الزمن» وكيف أنه تغير عما قبل بالتالي الناس تغيرت أطباعهم وأخلاقهم، لكنني شخصياً أعتبرها ظاهرة «أزلية» سببها «انحدار الأخلاق» و«انقراض المبادئ» و«ضعف الإيمان»، وهي تنطبق على كل زمان ومكان.

المبادئ والأخلاق والقيم والثوابت والأصالة كلها أمور جبل عليها الإنسان، ووجدت معه منذ زمن أبينا آدم عليه السلام، وديننا الحنيف يرتكز عليها ارتكازاً كاملاً، ورسولنا صلوات الله عليه بعث متمماً لمكارم الأخلاق، بالتالي لا هو الزمن، ولا هي الظروف، بل هو الإنسان نفسه.

من تضيع عنده القيم، لا ترتجي منه صلاحاً على الإطلاق، لأنه شخص بلا قيم.

ومن لا يمتلك مبادئ لا تنتظر منه تصرفات سوية قائمة على مبادئ الصواب والخطأ، بالتالي هو شخص بلا ضمير ويمكنه أن يقدم على فعل أي شيء.

ومن لا يمتلك «إيماناً» كاملاً بتعاليم ديننا، هذا هو أشنع الأصناف والأوصاف، هو الذي تراه يسجد ويركع ويصوم ويحج ويعتمر ويفعل كل شيء، لكن كل ذلك لا ينهاه عن الفحشاء والمنكر، لا يردعه ولا يمنعه عن ارتكاب أشنع الممارسات، ولا يوقفه عن أكل المال الحرام، ولا يصده عن أذية الناس، هو إنسان بلا وازع، غير مسلم ولو ادعى الإسلام، فرسولنا قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولا يعني هذا أن يسلم منه الناس فقط، بل ينسحب على كل تصرف يصدر عنه فيه ضرر للمجتمع أو خيانة للأمانة.

مثل هؤلاء البشر منتشرون في أوساطنا، بعضهم مسؤولون يمتلكون صناعة القرار في قطاعاتهم، وهنا تكون الكارثة والمصيبة، حينما يكون المسؤول بلا ضمير، بلا مبادئ، بلا قيم، والأخطر بلا وازع أخلاقي وديني.

هؤلاء مشكلتهم أنهم يعادون كل من يقف أمامهم ليقول كلمة حق، رغم أن قول الحق واجب في ديننا، وإنكار المنكر كذلك بدرجاته المختلفة، إذ من يغض النظر عن الخطأ والجرم مشارك فيه بسكوته.

هؤلاء حينما يجدون نوعيات من البشر تمتلك ما يفتقرون له، وأعني هنا المبادئ والقيم والنزاهة والأخلاق والوازع الديني، يعادونهم بل يحاربونهم بشراسة، فمثل هؤلاء البشر الذين يتمتعون بـ«النظافة الأخلاقية» هم يمثلون «خطراً جسيماً» على النوع الأول من منعدمي القيم والمبادئ الغارقين في الأخطاء والفساد.

لدي أمثلة على أشخاص بسبب «نظافتهم» القائمة على تمسكهم بقيمهم ومبادئهم ورفضهم للأخطاء والفساد تمت محاربتهم من قبل مسؤولين، بل وصل انعدام الأخلاقيات لدى الصنف الأخير لوصفهم بأنهم «صناع مشاكل» و«مفتعلو أزمات»، رغم أن الوصف صحيح، فأصحاب المبادئ والأخلاقيات والقيم هم بالفعل «صناع مشاكل» لأولئك المفسدين العابثين في مقدرات الوطن والبشر، هم «مفتعلو أزمات» لكل شخص انحط في أخلاقياته وأفعاله منتهكاً الأعراف السوية التي يدعو لها الدين، والتي تطالب بها الدولة من منطلق النزاهة ومحاربة الفساد.

أنا شخصياً وصفت بأنني «صانع مشاكل» من قبل بعض المسؤولين، وللأمانة هذا الأمر زادني فخراً، لأنه صادر من أشخاص لو دققتم في تصرفاتهم وعلى عملهم لوجدتم كماً مهولاً من الفساد الإداري والمالي، لوقف شعر رأسكم من هول الممارسات غير السوية بحق الموظفين لدينهم، لوجدتم كوارث عديدة توصلهم للمساءلة القانونية والمحاسبة من قبل كبار المسؤولين.

قلتها يوماً لصاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء حفظه الله، بأن بعض المسؤولين يعتبرون الكتاب الذين يكتبون عن أدائهم ويكشفون أخطاءهم وتجاوزاتهم يسموننا «صناع مشاكل»، وكان رد سموه بأن هؤلاء المسؤولين هم «صناع المشاكل» للبلد بعملهم غير الصحيح، وأن الصحافة وكل مواطن يكتب عنهم ويناصح الدولة وينتقد لأجل خير وطنه، هو «صانع خير» ومحب للبحرين.

زمن انقلبت فيه الأوصاف والمعايير، بسبب أناس غاصت أياديهم في الممارسات الخاطئة، وباتوا يهاجمون «النظيف» صاحب المبادئ ويعتبرونه «صانع مشاكل».

نعم «صانع مشاكل» لكم، لكنه صانع خير لأجل بلاده وقيادته وشعبه، بكشف مدى تلاعبكم وفسادكم، قبحكم الله.

في النهاية، الحق أحق أن يتبع، والفاسد يجب أن يردع، فلا أحد أكبر من البحرين.