عواصم - (وكالات): رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الاثنين أي انسحاب لبلاده من افغانستان، عارضا استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في هذا البلد تقضي بإرسال تعزيزات عسكرية وتشديد الضغط على باكستان التي اتهمها بإيواء "عناصر فوضى". وسارعت حركة طالبان الى الرد على الاعلان متوعدة الامريكيين بـ"مقبرة جديدة" في حال أصروا على البقاء في هذا البلد. من جهته رحب الرئيس الافغاني أشرف غني بالالتزام الامريكي "الراسخ" في افغانستان فيما أكد حلف شمال الاطلسي بانه لن يسمح بان تصبح افغانستان مجددا "ملاذا للارهابيين". وفي خطاب استمر 20 دقيقة، لم يحدد ترامب أي أرقام حول مستوى الانتشار العسكري وأي مهلة زمنية له، معتبرا أن الدخول في هذه التفاصيل يعطي "نتائج عكسية". لكنه أكد قناعته الراسخة بأن انسحابا متسرعا من أفغانستان سيوجد فراغا يستفيد منه "الارهابيون" من عناصر القاعدة وتنظيم الدولة "داعش". وردا على الخطاب، توعدت حركة طالبان التي تشن تمردا في أفغانستان بأنه "اذا لم تسحب الولايات المتحدة جنودها من افغانستان، فان افغانستان ستصبح قريبا مقبرة اخرى لهذه القوة العظمى في القرن الواحد والعشرين". من جهته قال الرئيس الافغاني خلال تفقده القوات الافغانية المتمركزة في قندهار "انه يوم تاريخي لنا. اليوم أمريكا أثبتت انها تقف معنا بدون اي مهلة زمنية". وتوجه لحركة طالبان بالقول "لا يمكنهم الانتصار في هذه الحرب. أبواب السلام والمفاوضات مفتوحة أمامكم". من جانب آخر، أعلن الامين العام لحلف شمال الاطلسي ينس ستولتنبرغ الثلاثاء ان الحلف الذي تدخل في افغانستان بعد اعتداءات 11 سبتمبر بطلب من الولايات المتحدة لن يسمح ابدا بان يصبح هذا البلد مجددا "ملاذا للارهابيين". وقال ستولتنبرغ في بيان "هدفنا هو ضمان الا تعود افغانستان ابدا ملاذا للارهابيين" ورحب بـ "المقاربة الجديدة" التي اعلنها ترامب في خطابه. وفي نيودلهي، رحبت وزارة الخارجية الهندية في بيان بخطة ترامب قائلة "نرحب بتصميم الرئيس ترامب على تعزيز الجهود لتجاوز التحديات التي تواجهها افغانستان ومواجهة مسائل الملاذات الامنة والاشكال الاخرى من الدعم عبر الحدود الذي يحظى به الارهابيون". وبعد 16 عاما على اعتداءات 11 سبتمبر التي حملت الولايات المتحدة على شن هجوم واسع النطاق في أفغانستان لطرد نظام طالبان الذي كان حاكما في كابول ويؤوي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، تواجه الديمقراطية الهشة التي تدعمها واشنطن في البلد تمردا تشنه حركة طالبان، ما يهدد استقرارها. وفي بادرة نادرة، اقر ترامب صراحة بتبديل موقفه حيال هذا الملف الشائك فقال في الكلمة التي ألقاها من قاعدة فورت ماير جنوب غرب واشنطن وكانت موضع ترقب شديد "حدسي الأساسي كان الانسحاب (...) لكن القرارات تكون مختلفة جدا حين نكون في المكتب البيضاوي". وأيد ترامب مرارا قبل وصوله إلى البيت الأبيض انسحاب بلاده من افغانستان وكتب على تويتر في يناير 2013 "لنغادر افغانستان" مضيفا "قواتنا تتعرض للقتل بيد افغان تولينا تدريبهم ونحن نهدر المليارات هناك. هذا عبث. يجب اعادة اعمار الولايات المتحدة". وقال مسؤول أمريكي كبير إن ترامب أعطى الضوء الأخضر للبنتاغون من أجل نشر تعزيزات يصل عديدها إلى 3900 جندي إضافي. وإن كانت هذه التعزيزات متواضعة بعدما وصل عديد القوات الأمريكية المنتشرة في افغانستان إلى 100 الف جندي قبل 7 سنوات، إلا أنها تشير إلى تغيير في التوجه المسجل في السنوات الأخيرة. من جهته، أعلن وزير الدفاع جيم ماتيس على الفور أنه سيتشاور مع الامين العام للحلف الاطلسي والدول الحليفة، مؤكدا أن العديد منها تعهد بزيادة عديد قواته في أفغانستان. وينتشر حاليا 8400 جندي أمريكي في أفغانستان في إطار قوة دولية تعد بالإجمال 13500 عنصر وتقوم بصورة أساسية بتقديم المشورة لقوات الدفاع الأفغانية.

وفي سياق عرضه استراتيجيته بشأن أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها، وجه ترامب تحذيرا شديد اللهجة إلى إسلام اباد التي اتهمها بأنها قاعدة خلفية لحركة طالبان. وقال "إن باكستان ستكسب الكثير إن تعاونت مع جهودنا في افغانستان. وستخسر كثيراً إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين" مضيفا "يجب أن يتغير هذا، وسيتغير على الفور". وكان الجيش الباكستاني استبق خطاب ترامب مترقبا أن تشدد واشنطن اللهجة من جديد، فأكد قبل ساعات من عرض الاستراتيجية الأمريكية أن باكستان لن تؤوي "اي بنية تحتية لأي منظمة ارهابية". وعلقت وزارة الدفاع الأمريكية الشهر الماضي مساعدات عسكرية بقيمة 50 مليون دولار لباكستان، معتبرة أن إسلام اباد لا تبذل جهودا كافية لمكافحة شبكة حقاني المتحالفة مع حركة طالبان الأفغانية. ولطالما اعتبر التنظيم الناشط في المنطقة القبلية على الحدود بين باكستان وافغانستان على ارتباط بأجهزة الاستخبارات الباكستانية. غير أن الرئيس الأمريكي الـ45 وجه تحذيرا أيضا إلى نظام كابول مؤكدا "التزامنا ليس غير محدود، ودعمنا ليس شيكا على بياض". وقال في الخطاب الذي أتاح له الوقوف وقفة رئاسية بعد اسبوعين من الفوضى ألحقا ضررا بالغا بصورته، إن "الأمريكيين يريدون إصلاحات حقيقية ونتائج حقيقية".

من جهة ثانية، ترك ترامب الباب مفتوحاً على إمكان إجراء حوار مع بعض من عناصر حركة طالبان. وقال "في وقت من الأوقات، وبعد جهد عسكري ناجح، ربما يكون من الممكن إيجاد حل سياسي يشمل جزءاً من طالبان أفغانستان". وتابع "لكن لا أحد يعلم ما إذا كان هذا سيحصل ومتى" قد يتحقق. وأوضح وزير الخارجية ريكس تيلرسون بعد قليل أن الولايات المتحدة "مستعدة لدعم محادثات سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بلا شروط مسبقة". ورحب السيناتور الجمهوري جون ماكين بـ"خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح". من جهتها نددت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي بخطاب اعتبرته غير واضح وقالت إن ترامب "أعلن عن التزام غير محدود لأرواح أمريكية بدون أي محاسبة من الشعب الأمريكي" مضيفة "الرئيس ترامب يقول إنه لن يكون هناك سقف لعديد القوات ولا جدول زمني للانسحاب". وكان هذا أول إعلان رئاسي منذ مغادرة مستشار ترامب للاستراتيجية المثير للجدل ستيف بانون الجمعة. وكان بانون حامل راية "امريكا اولا" والمدافع عن خط انعزالي متشدد، يعارض نشر جنود اضافيين في المنطقة. وقُتل زهاء 2400 جندي أمريكي في أفغانستان منذ عام 2001، وأصيب أكثر من 20 ألفاً آخرين بجروح. وقدمت الولايات المتحدة خلال 16 عاما أكثر من 110 مليار دولار من المساعدات لإعادة إعمار البلد.