قيل إن الربيع القطري صعب الحدوث، لأن قطر ليس بها «حراك جماهيري قطري» يحدث الثورات فيسقط النظام، كما حدث في مصر أو تونس أو ليبيا، لذلك فالربيع القطري أمر صعب الحدوث.

ذلك كان تعقيباً على مقالي السابق «الربيع القطري» الذي حذرت فيه قطر بأنه وارد جداً أن تتجرع الكأس الذي جرعته للآخرين، وأن أكاديمية التغيير التي وضعت مناهجها لتطبق على جميع العواصم عدا الدوحة، وارد جداً أن يطبق المنهج ذاته عليها، «ليتخيل حكام قطر أن دول الخليج طبقت دروس ومناهج «أكاديمية التغيير» في قطر هذه المرة وبرعايتهم وتمويلهم، فقامت بتهيئة مجموعة قطرية صغيرة لتكون النواة الأولى للتغيير، حاكم بديل «معارضة»، مجموعة من المتذمرين «المران»، وحشود لها مطالب «العمال»، تكون الحلقة قد اكتملت!!».

ورداً على ذلك التعقيب نسأل من قال إن الثورات هي الوسيلة الوحيدة لإسقاط الأنظمة؟ فإن كانت هي الوسيلة التي أقرت قطر عن طريق وزير خارجيتها وأميرها ومفتيها «القرضاوي» أنها استخدمتها لإسقاط الأنظمة العربية، فيا سيدي تعددت الأسباب والسقوط واحد، فإن تأخر السقوط يكفيك أن تجعله وارداً في لحظة!

لنتذكر أن «الثورات» ما هي سوى وسيلة، إنما ليست هدفاً بحد ذاته، الهدف كان هو «إسقاط النظام»، ذلك هو الهدف الذي اتجه إليه سهم «أكاديمية التغيير» ودربت قطر شباب الأمة العربية على كيفية الوصول له واستخدمت القوى الناعمة لتحقيقه، فإن لم يكن ممكناً التغيير بثورة شعبية، فهناك ألف طريقة وطريقة أخرى، ليس بالضرورة منها أن تكون ثورة ولا حتى غزواً عسكرياً ولا حتى انقلاباً، بل هناك طرق عدة لزعزعة أي نظام واضطرابه وخلخلته وإضعافه وإرباكه، تمهيداً لسقوطه، ولتركه يهتز في وضع السقوط، وقطر بها من الثغرات التي لا تحصى لكثرتها تخلخل نظامها.

الأمن القومي يختل ويضطرب بخلخلة الوضع الاقتصادي والأمني والديموغرافي، وتكفيك شرارة هنا أو شرارة هناك لتجعل البلد على كف عفريت حين ذاك، إضرابات حدثت بسبب خلل ديموغرافيا، بسبب مطالب إصلاحية، بسبب أحداث أمنية، وجميع تلك الأسباب تنضح بها قطر، أما تجميع الحشود وإحداث الاضطرابات فوارد جداً في بلد يشكل الأجانب فيه أكثر من 90% من تعداده، بلد تعداده 2.5 مليون، مليون منهم من بنغلاديش، يعيشون حياة مزرية.

الاضطرابات الأمنية ممكنة جداً وبالإمكان تصويرها ونقلها والتضخيم منها وشاشات مفتوحة للبلطجية كما فتحت الجزيرة أبوابها لمن حرق البلد، بلد يعتمد على «مشروع» لتسويق نفسه من خلاله ويحاول أن يستقطب من خلاله السياحة والاستثمار وهو مهدد وعلى كف عفريت لا بسبب اتهامات الفساد فقط التي تحوم حوله، بل لأن جميع من له مصلحة مع هذا المشروع في وضع الانتظار يضع اتفاقياته وآماله التي عقدها مع قطر موضع الانتظار عله يرى أفقاً لصاحبة المشروع يخرجها من مأزقها كي يستأنف نشاطه معها، مشروع يحتاج لعدة مطارات كما يحتاج لعدة ملاعب! فما بالك لو أن دول التحالف أعلنت لهؤلاء المنتظرين أن أزمة قطر ستطول ولا حل قريباً لها في الأفق؟ وأن الأمر قد يستغرق سنوات قد تطول إلى ما بعد 2022؟ هل تعتقد أنهم سيستمرون في الانتظار؟ وقس على مثل هذه الأوراق هناك الكثير دول التحالف لم تستخدم أياً منها بعد.

فإن كانت قطر في مأمن حين كانت عضواً في مجلس التعاون الخليجي أمنها من أمننا واستقرارها من استقرارنا، ويأتيها رزقها رغداً، فإنها لم تعد كذلك الآن وهي ترتمي في حضن عدونا، وإن كانت الثورات الوطنية غير قابلة للتطبيق كوسيلة لخلخلة النظام واضطرابه فإن هناك العديد من الوسائل الأخرى المتاحة في قطر وهي سهلة المنال، وإن كانت الدول التي توسطت تحججت بأنه ليس هناك بديل، فالبديل من ذات الأسرة موجود وبدأت الدول الوسيطة تأخذه في الاعتبار!!

جميع تلك الأوراق مفتوحة للتوظيف والاستغلال في قطر، المشروعة وغير المشروعة كي يمر الربيع العربي على الدوحة، وحينها قلة التعداد المحلي أو الوطني سيكون نقمة لا نعمة، فإن كان التدخل في شؤون الآخرين يعد نفوذاً صحياً كما يراه حمد بن خليفة، فإن قطر الآن أجازت للآخرين أن يتدخلوا تدخلاً «صحياً» في نظامها!!!