في العقد الأخير وما قبله بقليل زادت ظاهرة الاستثمارات الوهمية بشكل مخيف للغاية، ولولا التجربة السيئة التي خاضها الكثير من الناس وانفضاح عشرات الخادعين لاستمرت هذه الظاهرة بذات الوتيرة حتى يومنا هذا، لكنها تقلَّصتْ بعض الشيء بسبب وعي الناس وتحذير الجهات الأمنية على ضرورة توخي الحذر من الشركات الوهمية أو غير المصرحة. ملايين الدنانير اختفت من جيوب المواطنين تحت مسميات وهمية واستثمارات غير حقيقية، وغالبية من قام بهذه السرقات والخدع المالية هربوا للخارج مستمتعين بالملايين وبعضهم الآخر استطاع أن يستصدر شهادة طبية رسمية من مستشفى الأمراض النفسية تثبت للمنصوبِ عليهم أمام القضاء بأن النَّصاب المسكين كان رجلاً يعيش اضطرابات نفسية ليتخلص من العقوبة ويتخلص من مطالبة الناس له بأموالهم حتى نجحت عملية التهرب من السجن وعدم إعادة المسروق من المال، أما من خسر عبر هذه الصفقات والاستثمارات الوهمية فله الله.

أُسدل الستار على مئات القضايا التي تم فيها النصب على المنصوب عليهم من المواطنين وغيرهم دون إرجاع الحق المالي لهم حتى ولو ذهبت القضية للمحكمة، وعليه اختفت الملايين من الدنانير وذهبت جهود مئات الناس من خلال عشرات الأعوام من العمل الجاد في لحظة طيش غير مدروسة، كل ذلك رغبة منهم في الربح السريع ورغبة من النَّصاب في الأرباح الكبيرة والسريعة، فاجتمعت الإرادتان فكانت هذه النتيجة المخيبة للآمال والقلوب الضعيفة.

هذه الظاهرة لم تنتهِ بعد، فالكثير من المستثمرين الوهميين يبيعون الناس وَهْم الثراء في «الكوفي شوبات». البعض منهم يجيد ربطات العنق لخداع الضحية، وبعض الفتيات يلبسن آخر صيحات الملابس الأوروبية لإيهام الفريسة أن عليها الاطمئنان بصدق المشروع الاستثماري والدليل «ملابسي» الفاخرة. المقاهي العصرية اليوم مليئة بهؤلاء النماذج من الأشخاص الذين يحاولون جاهدين إقناع البسطاء من الناس والضغط عليهم بكل السبل للاشتراك معهم في تلكم الاستثمارات القذرة وتزيين الطريق لهم بإعطائهم أرباحاً كبيرة في الأشهر الأولى للمشروع، فإذا اطمأن لهم الضحية سلبوه بقية ما يمتلكه من «تحويشة العمر».

كلمة نوجهها للمواطنين والناس بشكل عام في البحرين، وهو أن عليهم الحذر من هذه الخدع والأساليب الملتوية وعدم قبولهم الاستدراج للدخول في شباك هذه الشركات الوهمية، فأول ما ينبغي أن يعرفه الناس هو أن يثبت لهم صاحب الشركة سلامة الإجراءات الرسمية للسجل التجاري المختوم ووضعية الشركة القانونية، ثم بعد ذلك يقوم المستهلك بمراجعة وزارة التجارة للتأكد من أن المؤسسة المالية التي يرغب التعامل معها مسجَّلة رسمياً في سجلات الوزارة ومعترف بعملها في البحرين، وفي حال وجد المواطن أن هذه المؤسسة غير مدرجة في السجلات الرسمية وتعمل في الظلام حينها يقوم بإبلاغ الجهات المختصة بذلك، كما أنه من الضروري أن تتم عملية التعاقد بينه وبين هذه الشركات -بعد ثبوت وضعها القانوني- في مكاتبها المرخصة وليس في «كوفي شوب»، كما ينبغي أن تسجَّل محاضر كل الجلسات بين الطرفين وأن تكتب بنود هذه المعاملات عبر أوراق ثبوتية حكومية مشفوعة بالختم والتوقيع، وما عدا ذلك فكله يعتبر نصباً خارج القانون.

من جهة أخرى يجب على الجهات المختصة وخصوصاً الجهات الأمنية مراقبة أوضاع هذه الجماعات والأفراد والشركات الاستثمارية الذين يلاحقون الناس في الشوارع والمقاهي والمجمعات للوقوف على إجراءات عملهم بطريقة صحيحة ومعاقبة المخالفين منهم وإحالتهم للقضاء. هذا ما ينبغي أن يكون وما كان يجب أن يكون.