موسى راكان

يُروى أن بائع عسل غفل عن حماره فقضى حاجته في مرطبان العسل، ولما انتبه البائع إلى ما صنع حماره حرك ما في المرطبان حتى تحوّل كل ما فيه إلى اللون الأخضر، وذهب به ليبيعه. وحين كان الناس يسألونه مندهشين عما يكون هذا العسل الأخضر، كان يجيبهم "مخضرية" نوع من أنواع العسل!

رواية مُتداولة في اليمن تُروى على وجوه مختلفة، لكنها تصب دائماً في معنى الخلط بين الزين والشين. وكثيراً ما يختلط الزين بالشين في عسل اليمن، فلا يعرف الشاري أيشتري عسلاً "أسطورة" يشفي ويقوي، أم أنه يشتري الوهم.

ما الفرق؟!


في محل متخصص بالطب النبوي والأعشاب يبيع محمد علي عسل السدر اليمني بسعر 36 ديناراً للكيلو الواحد. ويقول إن الزبائن من الجنسين يطلبونه وبعضهم بشكل شهري. وفي حين استرسل في ذكر فوائد العسل وكيف أنه ورد في القرآن الكريم، لم يستطع تفسير ما يميز عسل السدر عن سواه وأحال السؤال إلى زميله في المحل فعجز الآخر عن تقديم إجابة رغم خبرته الطويلة في المحل.

وبعيداً عن محلهما بضعة مترات، كان أحمد محمد يبيع عسل الشوكة اليمني (من حضرموت) بسعر 30 ديناراً للكيلو. وقال إن الاختلاف بين عسل الشوكة والسدر أن الأول ينتج حين يتغذى النحل على زهور الأشجار الشوكية بينما الثاني فعلى أوراق الكنار. وعند هذا الحد أحال بقية الأسئلة لصاحب المحل الذي أفاد بتوفر عسل السدر الدوعني اليمني بسعر 40 ديناراً للكيلو، وعسل سدر الجنوب (من الحدود اليمنية السعودية) بـ60 ديناراً. وقال إن لمحله زبائن رجال يأتون شهرياً لشراء العسل كعلاج للقولون والرئتين ورفع المناعة وكمنشط جنسي. وروى عن حالات جرب فيها مرضى مصابون بالسرطان وآخرون بالإيدز العسل اليمني بعد أن أخبرهم الأطباء باستحالة علاجهم "فكان فيه شفاؤهم".

وأضاف "الغش موجود وهناك من باعة العسل المتجولين من يبدأ بتسعيرة خيالية ليوهم المشتري بأن الذي لديه عسل يمني فعلاً، ثم يبدأ تدريجياً بتخفيض السعر. أنا شهدت أحد باعة العسل يبدأ التسعيرة بـ140 ديناراً وينزل حتى وصل لـ 5 دنانير!". ولفت إلى أن "من طرق الغش بالعسل تغذية خلية النحل بماء وسكر، وهو عسل صالح للأكل لكنه يزيد فرصة الإصابة بالسكري"، مضيفاً "العسل بشكل عام ليس له تاريخ انتهاء صلاحية لكننا نضع له تاريخ صلاحية التزاما بضوابط الهيئات الناظمة للسوق والصحة، فالعسل لا يتأثر إلا بالحرارة.. هو لا يفسد لكنه يصبح حامضاً".

أكثر الزبائن ذكور

وفي محل آخر لفت أحمد محمر إلى توفر عسل السُمر (من شجرة السُمر) بـ30 ديناراً، وعسل السدر (من العليب) بـ40 ديناراً، وعسل عُصيمي (الحدود اليمنية السعودية) بـ25 ديناراً وعسل مراعي (مراعي نحل) بسعر يترواح بين 15 ـ 20 ديناراً. وقال إن غالبية زبائنه من الذكور إذ يطلبون العسل كعلاج بشكل عام وكمنشط جنسي بشكل خاص، لافتاً إلى أن تجارة العسل "لا تدر أرباحاً كثيرة".

ونصح المستهلكين بشراء العسل من المحلات لأنها "أضمن وأسلم صحياً".

يونس عبده العامل بأحد محلات بيع العسل قال إن السدر العُصيمي تتراوح أسعاره بين 25 ـ 200 دينار للكيلو. وأكد يونس أيضاً أن زبائن العسل من الرجال أكثر. كما نصح بشرائه من المحلات لأنها "تعتمد على مختبرات رصينة وليس على الاختبارت الأخرى المخادعة كاختبار خلط العسل بالماء أو العسل بالتراب".

أسماء عجيبة غريبة


أما اليمني محمد أحمد الخبير بالعسل فله رأي مختلف تماماً. إذ يقول إن "زراعة القات وتغيّر الطبيعة البرية أثرت على منتوجية العسل الطبيعي في اليمن، و أضاف أن العسل اليمني ليس سهلاً الحصول عليه ولا يتماشى مع الأغراض التجارية، لذلك عمد كثيرون إلى الخلط في تغذية النحل، و للتجار دور كبير في الإساءة إلى العسل اليمني إذ لم يتوقف الأمر عند الغش والخلط والمبالغة في الأسعار، بل ابتدعوا أنواعاً من خلطات العسل بأسماء عجيبة من محض خيالهم".

وروى قصة شخص اشترى كمية من العسل اليمني من معرض الخريف وذهب به إلى مختبر جودة العسل بالرياض ليُفاجئ بأن العسل الذي اشتراه لا يصلح للاستخدام الآدمي. وذكر قصة طريفة بالقول "كان أحد الزملاء يهدي رئيسه في العمل عسلاً يزعم أنه يمني، ونتيجة لفحص طبي خضع له الرئيس، نصحه الطبيب بتخفيف تعاطيه الفياجرا، فأكتشف الرئيس أن العسل الذي كان يتناوله مخلوط بحبوب فياجرا مطحونة". وأضاف "بشكل عام أصبح العسل اليمني منتجاً جنسياً أكثر من كونه علاجاً، ترى بعض الرجال يلجؤون إليه كبديل طبيعي عن الفياجرا".

شاهد عيان

فيما يؤكد هشام مسعد الذي عمل في محل للأعشاب و العسل فترة طويلة أن ارتباط النشاط الجنسي بالعسل "وهمٌ في عقول الرجال"، ويضيف "صاحب المحل كان يبتدع خلطات على أساس أنها مفيدة جنسياً ويبيعها وهو يعلم أنها مبتدعة". ويلفت إلى أن "كثيراً من العسل اليمني الذي يباع حتى في المحلات مغشوش فمن الصعب جداً الحصول على العسل اليمني لأغراض تجارية"، ولكنه مع ذلك قال إنه يواظب على خلطة تشمل العسل يمني والثوم والليمون لتنقية الصدر من آثار التدخين.