عبدالله نوري:

عبارات كثيرة يقولها الآباء والمدرسون للأطفال، لا يلقون لها بالاً، يظنون أنها تمر سريعاً، في حين تحفر في وجدان الطفل عميقاً وتخلف ندبة لا يمحوها الزمن.

وفي حين تبذل مجتمعاتنا جهوداً ملحوظة لتجاوز العنف الجسدي، يبدو الطريق طويلاً لتخطي العنف اللفظي المنتشر بشكل ملحوظ في بيوتنا ومدارسنا.


فما هو العنف اللفظي، وأي العبارات يمكن اعتبارها عنفاً؟ وما أسبابه؟ وكيف يمكن تجنبه؟

تعرف الاختصاصية النفسية سميرة البستكي العنف اللفظي بأنه "استخدام عبارات وكلمات مؤذية للطفل، تكون لها آثار سلبية عليه وعلى مستقبله، كالتهديد، والصراخ، والتجاهل، واللوم، والمنّ".

وتضرب البستكي أمثلة على العنف اللفظي كإطلاق أسماء وكلمات سلبية على الطفل، مثل "بو راس، أسماء حيوانات، المفهي، الكريه"، واستخدام لغة وعبارات سوقية عند التعامل مع الأطفال، والنقد المستمر لسلوك الطفل والتركيز على أخطائه وتضخيمها وذكرها في بعض الأحيان أمام الآخرين، إضافة لرفض طلبات الطفل بعبارة "لا" دون توضيح أسباب الرفض أو مناقشته، والتهديد بعبارات مثل "إذا لم تدرس لن أشترِ لك هدية، أو سأضربك ... إلخ"، تمني عدم وجود الطفل في الحياة "يا ريتني ما أنجبتك، إن شاء الله تموت، الله ياخذك ويريحنا، لو أنت مو موجود كان قدرنا نرتاح أو نطلع ونسافر".

وإضافة إلى هذا العنف اللفظي الواضح، تلفت البستكي الانتباه إلى عبارات وكلمات نتناولها من غير وعي وتعتبر من العنف اللفظي مثل عبارات الحب المشروط، إذ تنصح الوالدين بعدم ربط حبهم لابنهم بقيامهم بعمل أو سلوك معين، وبضرورة احترام مشاعر الطفل وعدم فرض سلوك معين عليه. والعبارات السلبية عند النصح مثل "أنت وسخ أو كسلان"، "ما منك فايدة".

كما تنصح البستكي بتجنب عبارة "ستفهم عندما تكبر"، معتبرة أنها تحبط الطفل وتجعله في حالة من الحيرة والقلق إلى أن يكبر أو يفهم الموقف، وقد يلجأ للبحث عن إجابة سؤاله من مصادر أخرى قد تكون ضارة، فيجب عدم إهمال أسئلة الأطفال ومحاولة إجابتهم بما يتناسب مع عمرهم ومستوى نضجهم العقلي.

أسباب وراثية

ولكن لماذا يلجأ الناس إلى العنف اللفظي أساساً، وما دوافعه؟

تقول البستكي إن أسبابا عدة تقف وراءه منها وراثية نتيجة اضطرابات في إفرازات الغدد الهرمونية في جسم الإنسان، وعدم انتظام التوزيع الهرموني داخل الجسم الناتج عن سوء التغذية أو سوء اختيار نوعية الأطعمة. وتضيف الأسباب الاجتماعية المتمثلة في أسلوب تعامل الوالدين مع بعضهما ومع الأبناء، واستخدام العنف اللفظي في التعامل الذي ينتقل إلى الأبناء بالمحاكاة.

وتقول الاختصاصية النفسية إن الحرمان من الوالدين يلعب دوراً مهماً في تكوين شخصية الطفل ومدى استخدامه لعبارات العنف اللفظي.

وقد يكون العنف اللفظي نوعاً من التنفيس المؤقت عند الغضب، والتوتر، أو ضغوطات الحياة، أو نوعاً من التعويض عن العنف الجسدي.

ناهيك عن التأثر بالثقافات الدخيلة على المجتمع، والحروب والصراعات، إضافة إلى أن لوسائل الإعلام دورا لا يمكن إغفاله في انتشار العنف اللفظي.

وبغض النظر عن الأسباب التي يمكن أن تقف وراء استخدام عبارات جارحة، كيف يمكن تشخيص تعرض الطفل للعنف اللفظي؟

تجيب البستكي "من الصعب تحديده لأنه لا يظهر بصورة واضحة، إلا أنه يمكن ملاحظته من خلال وجود تاريخ للعنف اللفظي في الأسرة، وتدني المستوى الدراسي للطفل بشكل غير طبيعي، والانعزال الاجتماعي، وسلوك الطفل المعادي للمجتمع".

الذكور أكثر تأثراً

وتكشف الاختصاصية النفسية أن "الأبناء الذكور أكثراً تأثراً وتطبُعاً بالعنف اللفظي حسب التجارب والدراسات، بسبب تقليدهم لآبائهم وتأثرهم بزملاء المدرسة والأصدقاء بصورة أكبر، فالذكور يقضون وقتاً أطول خارج المنزل ما يزيد من فرصة تأثرهم، عكس الفتيات اللاتي يقلدن أمهاتهن غالباً.

وعن تجنب العنف اللفظي عند التعامل مع الأطفال، تنبه البستكي الآباء والأمهات إلى ضرورة القناعة بالفروق الفردية بين الأبناء، وتنصحهم بالتعرف على السمات الإيجابية للطفل والعمل على تعزيزها، فالطفل قد لا يقبل القيام بكل ما يطلبه الآباء وبالتالي يجب تفهم رغباته والعمل على مساعدته، مشيرةً إلى أهمية الاعتذار من الأبناء عند تلفظ عبارات سلبية، واحترامهم أمام الآخرين وعدم التقليل من شأنهم أو تحقير آرائهم.

إضافة إلى التركيز على السلوك السلبي عند النصح والتوجيه وليس على الطفل وشخصيته، والتركيز على مناقشة السلوك السلبي بين ولي الأمر والابن، والابتعاد عن الصراخ في وجه الطفل ومعاملته بلطف ولين، والابتعاد عن الموقف وقت الغضب لحين هدوء الأعصاب ثم مناقشة الطفل وتوجيهه.

هكذا نتغلب على الظاهرة

تقدم الاختصاصية النفسية سميرة البستكي عدداً من النصائح للتغلب على ظاهرة العنف اللفظي، مثل تدرب الوالدين والأسرة على استخدام الكلمات الإيجابية وكلمات الشكر والمدح بين أفرادها وتعزيز ثقافة الحوار البناء داخل الأسرة، والنظرات الهادئة للأبناء أثناء الحوار أو النقاش أو التوجيه.

وتضيف نصيحة الاعتدال الغذائي من خلال الابتعاد عن الأغذية المثيرة للانفعالات التي تسبب سوء الهضم أو قصوراً في الإفرازات الهرمونية في الجسم. وتعزيز الهوايات الفردية والترويح عن النفس من خلال ممارسة بعض الهوايات والأنشطة الترويحية كالرياضة أو الرسم أو اللعب بالرمل، أو من خلال الأنشطة الحركية كالسباحة وركوب الخيل ولعب الكرة، أو تربية بعض الحيوانات الأليفة.

وتلفت البستكي إلى أهمية الاسترخاء فهو يساعد، من وجهة نظرها، على التقليل من حالات العنف والغضب والقدرة على ضبط النفس من خلال جعل الرجلين واليدين في حالة استرخاء دون حركة لفترة معينة.

وتنصح البستكي بتقوى الله والصلاة، فهي تساعد على تهدئة النفس والطمأنينة.

وتقول إنها لاحظت عدداً كبيراً من الحالات التي تابعتها كان سببها ضعف العلاقة مع الله والتفريط في الصلاة.

وتشير البستكي إلى دور البيئة في التأثير على الحالة النفسية، فالأجواء المزدحمة والصحراوية والقاسية والتلوث البيئي تعتبر أسباباً للعنف بأنواعه المختلفة.

وتطلب البستكي من الأهل مقابل ذلك تعزيز النضج السلوكي لدى أطفالهم من خلال تكليف الصغار والشباب بمسؤوليات ومهام في المنزل وخارجه، لأن معاملة الصغير وكأنه شخص كبير بتحمل بعض المسؤوليات يضيف الكثير إلى شخصيته مستقبلاً.

وتطرح الاختصاصية نظرية امتصاص العنف من خلال تكليف الطفل الذي يعاني من عنف لفظي أو جسمي بمهام وأعمال عنيفة كحمل الاثقال، وإشراك الطفل في رياضات عنيفة كالملاكمة والكراتيه وغيرها من الرياضات المبنية على أسس وقواعد أخلاقية وقانونية بحيث لا يتأذى ولا يؤذي غيره.