في الوقت الذي تبدو فيه الطريق ممهدة أمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أجل إحكام قبضته على قيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، نجحت الإدارة الأميركية في التوصل إلى اتفاق رفع سقف الدين العام للولايات المتحدة وتمويل الحكومة لمدة 3 أشهر؛ ما ينأى بالاقتصاد الأول على مستوى العالم عن الوقوع في فخ إغلاق الحكومة.

​ومساء الأربعاء، أعلن الرجل الثاني في «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» ستانلي فيشر، أنه سيغادر منصبه في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ما يفسح المجال أمام الرئيس الأميركي لتعيين خمسة مناصب رئيسية في لجنة حكام المصرف المركزي الأميركي.

ومع رحيل فيشر سيكون ترمب قادرا على تعيين الأعضاء الثلاثة الأرفع في لجنة الحكام، وبينهم رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»؛ إذ إن مدة الرئيسة الحالية جانيت يلين تنتهي في 3 فبراير (شباط) المقبل. وتشير تكهنات واسعة إلى أن ترمب يتجه لتعيين مستشاره الاقتصادي غاري كوهين محل يلين، وبخاصة مع تزايد الهوة الفاصلة بينه وبين رئيسة «الفيدرالي» حول السياسات المالية الأنسب للولايات المتحدة خلال الفترة الحالية.



وجاءت استقالة فيشر قبل نحو أسبوعين فقط من اجتماع لجنة السوق المفتوحة بالمجلس يومي 19 و20 سبتمبر (أيلول) الحالي. ومن المنتظر أن تؤدي الاستقالة إلى خلو الكثير من المقاعد بالمجلس، بما يتيح الفرصة أمام ترمب للتأثير على سياسة البنك المركزي الأميركي.

وسيترك فيشر منصبه قبل ثمانية أشهر من انتهاء ولايته نائبا للرئيس، وقبل عامين ونصف العام من انتهاء ولايته عضوا في اللجنة، بحسب بيان صادر عن الاحتياطي الفيدرالي. ويتنحى فيشر مع مواجهة البنك المركزي الأميركي مشكلة عميقة في السياسة النقدية الأميركية، وتحضيره لإنهاء برنامج بتريليونات عدة من الدولارات أقر بعد الأزمة المالية عام 2008 من أجل تحفيز الاقتصاد. كما يغادر فيشر أيضا وسط خطط للإدارة الأميركية الحالية للتراجع عن ضمانات في قطاعات المال والمصارف تم العمل بها بعد الأزمة المالية العالمية، وهي ضمانات دافع عنها فيشر بقوة مع مسؤولين آخرين في الاحتياطي الفيدرالي سابقين وحاليين.

وسعى «الاحتياطي الفيدرالي» إلى تنفيذ إجراءات مصرفية متشددة بعد أزمة عام 2010، منها فرض الغرامات وتعريض مؤسسات مالية كبرى إلى اختبارات في تحمل الضغوط لضمان قدرتها على مواجهة أي صدمات اقتصادية في المستقبل، إضافة إلى إجبارهم على زيادة رساميلهم الاحتياطية.

وسيكون أمام ترمب في فبراير المقبل الفرصة لتعيين خمسة من سبعة أعضاء تتألف منهم لجنة الحكام؛ ما يسمح له بتحديد السياسات، سواء عبر اختيار أشخاص أقل احتمالا لرفع أسعار الفائدة، أو من قد يتوجهون إلى وضع إجراءات مصرفية صارمة.

ويتزامن الحراك داخل الفيدرالي مع إفلات الإدارة الأميركية من فخ إغلاق الحكومة، حيث أعلن ترمب مساء الأربعاء موافقته على إجراء يستهدف رفع سقف الدين العام للولايات المتحدة وتمويل الحكومة لمدة 3 أشهر. وسيتم إرفاق الإجراء الخاص بالرفع المحدد لسقف الدين العام والتمويل الحكومي مع قانون يستهدف توفير المساعدات لضحايا الإعصار «هارفي» الذي ضرب أجزاء من الولايات المتحدة الأسبوع الماضي.

وقد أصدرت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر بيانا أعلنا فيه الاتفاق على القانون المدمج بعد اجتماع مع ترمب.

وقالت بيلوسي وشومر في البيان «خلال الاجتماع، اتفق الرئيس وقيادة الكونغرس على تمرير المساعدة لضحايا (هارفي) ورفع سقف الدين واستمرارهما معا حتى 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل». وأضافا في البيان أن «كلا الجانبين يعتزم تجنب إفلاس الحكومة في ديسمبر (كانون الأول)، ويتطلعان إلى العمل معا بشأن الكثير من الموضوعات المطروحة أمامهما».

وجاء بيان بيلوسي وشومر رغم هجوم رئيس مجلس النواب الجمهوري بول ريان لفكرة زيادة سقف الدين العام لمدة قصيرة قبل ساعات قليلة. ووصف ريان - في تصريحات للصحافيين - خطة الديمقراطيين بربط مساعدات ضحايا «هارفي» مع زيادة سقف الدين باعتبارها خطة «مثيرة للسخرية ومخزية»، إضافة إلى أنها «لن تنجح»، بحسب رأيه. واتهم ريان القادة الديمقراطيين بالتلاعب السياسي بسقف الدين وتهديد قدرة الحكومة على التعامل مع الإعصارين هارفي وإيرما. وقد صوت مجلس النواب بأغلبية 419 مقابل 3 أصوات لصالح قانون منفصل لتقديم مساعدات لضحايا هارفي بقيمة 7.85 مليار دولار.

وعلى صعيد أوسع اقتصاديا، أظهر أحدث مسح أجراه الاحتياطي الفيدرالي ونشره مساء الأربعاء أن اقتصاد الولايات المتحدة نما بوتيرة متواضعة إلى متوسطة من يوليو (تموز) إلى منتصف أغسطس (آب)، لكن العلامات على تسارع التضخم لا تزال ضعيفة.

وقال «المركزي» في تقرير «بيغ بوك» عن الاقتصاد «في المجمل ارتفعت الأسعار بشكل متواضع في أرجاء البلاد». ورفع صانعو السياسة النقدية بمجلس الاحتياطي أسعار الفائدة مرتين هذا العام، لكن احتمال زيادة ثالثة في 2017 لا يزال غامضا مع ضعف ضغوط الأسعار، رغم أن الاقتصاد يشهد بطالة منخفضة مع استمرار النمو.

وتراجع مؤشر مجلس الاحتياطي المفضل للتضخم إلى 1.4 في المائة في يوليو على أساس سنوي، وهي أبطأ وتيرة في أكثر من عام ونصف العام. وسجلت معظم فروع الاحتياطي الاتحادي، وعددها 12 فرعا، صعوبات واجهتها الشركات في ملء الوظائف الجديدة على جميع مستويات المهارات، لكن ذلك لم ينتج منه زيادة في الرواتب على نطاق واسع. وقال التقرير: «سجلت معظم المناطق ضغوط أجور محدودة، ونموا متواضعا إلى معتدل في الأجور».

وقال «المركزي الأميركي»، إن إنفاق المستهلكين زاد في معظم مناطق الفروع، وإن هناك قلقا من تباطؤ طويل الأمد في صناعة السيارات. ودفع هبوط التضخم لايل برينارد العضو البارز في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي للمطالبة الثلاثاء الماضي بتأخير رفع أسعار الفائدة؛ حتى يتم التأكد من القراءات الضعيفة ستتعافى.

ومن المتوقع أن يبقي مجلس الاحتياطي أسعار الفائدة بلا تغيير في اجتماعه المقبل خلال أسبوعين، لكن خبراء اقتصاديين كثيرين يتوقعون أن يتخذ صانعو السياسة خطوة أخرى نحو إزاحة التيسير النقدي بالإعلان عن خفض وشيك في محفظة السندات بالبنك المركزي البالغة 4.2 تريليون دولار.