حوار- حسن الستري وزهراء الشيخ وفاطمة الشيخ

أعلن الكاتب إبراهيم بشمي عن تدشين 4 كتب تتعلق بحياة جلال الدين الرومي في مهرجان الأيام الثقافي، مؤكداً اعتماده على 100 مصدر مترجم للغة العربية بشكل أساسي في كتابتها.

ودعا في حوار مع "الوطن" إلى إعادة النظر في التراث الإسلامي، ودراسته بشكل صحيح، وبنظرة أخرى، غير النظرة التقليدية المتوارثة، مبيناً أن المثقفين الغربيين الذين جذبوا الأدباء والحداثيين والمثقفين العرب، هم أنفسهم الذين رجعوا للتراث العربي واستطاعوا إعادة تقديمه بشكل معاصر، بينما طرحت الحركة الصوفية إشكاليات الغرائبية والتخيل الذهني الكبير قبلهم بحوالي 8 قرون.


ولفت إلى أن أعمال الرومي غزت أمريكا وفاقت مبيعات دواوينه مبيعات أي شاعر آخر، وانتشر الإقبال على دراسة مؤلفاته بالجامعات الأمريكية، وكثير من الأمريكان أسلموا بسبب كتاباته، حتى في الهند وباكستان وآسيا الوسطى، يعتبرون كتاب جلال الرومي "المثنوي" كتاباً يكتشفون فيه حظهم كل يوم من شدة تعلقهم فيه، وفي أوروبا هناك كتاب قضوا 30 سنة في دراسة وقراءة الرومي.

وبشأن اختيار الشاعر قاسم حداد لتقديم قراءات في شعر الرومي، قال بشمي: "إضفاء اسم قاسم الفني على التدشين جعلته يستقرئ كتابات جلال الدين الرومي، ويعد قاسم مكسباً للتدشين ومكسباً للجمهور أيضاً"..وفيما يلي نص الحوار:

لماذا جلال الدين الرومي؟ ولماذا هذه العودة إلى تراث هذا المتصوف؟

نستطيع أن نقول، إن هناك فجوة ما بين الأجيال المعاصرة والأجيال التاريخية التي كانت جذورها موجودة ولكن للأسف هذه الجذور تم تلافيها، واتجهت أبصارنا إلى جهات أخرى.

هناك نقطتان مهمتان، الأولى أن الحركة العربية المعاصرة اتجهت إلى الغرب في تطوره، ومن خلال هذه الرؤية نُسِي كل تاريخنا المعاصر الإسلامي القديم والحديث، واتجهت إلى هتلر، وإلى القوات الغربية، رغم أن بعض المثقفين المسلمين مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو ومحمد مصطفى كامل، لمحوا إلى نهضة إسلامية عربية مقابل النهضة الغربية، لذا نرى ثغرة كبيرة بين الحركة المعرفية العربية وما بين التاريخ الإسلامي، لدرجة أن مثقفي العصر الحديث لا يفقهون تاريخهم ولا يعون أهميته، وبالتالي أعطوا المجال لظهور قوى متطرفة اعتبرت أن العملية الإسلامية بحديها العنيف ودون المعرفة السلوكية والإنسانية "الجهلاء"، فخلقت الفراغ الموجود حالياً، الذي هو التفرقة ما بين الاثنين.

والنقطة الثانية هي أن المثقفين الغربيين في أمريكا اللاتينية وأوروبا جذبوا الأدباء والحداثيين والمثقفين العرب، باعتبارهم نموذجاً خيالياً" فنتازي" وغرائبياً يستفاد منه كثيراً، رغم أن هؤلاء المثقفين الغربيين رجعوا للتراث العربي واستطاعوا إعادة تقديمه بشكل معاصر.

بينما الحركة الصوفية طرحت اشكاليات الغرائبية والتخيل الذهني الكبير قبلهم بحوالي 8 قرون، وبالتالي هذان محوران أعتقد أنه يجب إعادة النظر فيهما، ودراستهما بشكل صحيح.

ولكن يبقى السؤال الأهم، لماذا الرومي تحديداً دون غيره من مفكري الصوفية؟

الرومي عاش قبل أكثر من 800 عام، وانتقل في رحلته الحياتية الكاملة من أفغانستان إلى تركيا، مروراً بأكثر من بلد عربي وهو في سن صغير، لذلك يعتبر أكبر صوفي بالتاريخ الإسلامي، يملك النظرة الإنسانية إلى كل الشعوب، وكل التيارات الدينية والثقافية، واختارته اليونسكو بأنه رجل العام في 1978، لكل العالم.

فهو يتجاوز إشكالية اللون واللسان والدين ويعتبر البشر كلهم بشراً إنسانيين، وهناك مقوله له "تحتاج 1000 سنة لكي تصبح مسلماً، بينما تحتاج 1000 سنة لتصبح إنساناً"، وبهذه النظرة صار عالمياً كما هو الإسلام الذي لم يأتِ مخصوصاً لفئة من الناس، آتى للبشرية عامة، أصبح يشكل نموذجاً متقدماً.

كتب 40000 بيت شعر، لم يكتب أحد مثله، وبالتالي عندما اطلعت على كتابه المثنوي، وهو 6 مجلدات ترجمت للعربية في بداية السبعينات، قلت، يجب علينا أن نقدم الرومي للقارئ العربي بشكل أولي لكي يتعرف عليه وعلى كافة خصائصه "الأفكار، اللغة، الأطروحات"، لأن كتابات المثقفين العرب حوله في معظمها تحليلية ونقدية، ولكني اهتممت به على المستوى القرائي بشكل عام لأحاول تقديمه كمقاربة عربية للتعرف عليه.

وهل يمكن اعتبار جلال الدين الرومي أحد مؤسسي الحركة الصوفية؟

نعم، الرومي أحد مؤسسي الصوفية وشق له طريقاً خاصاً بالرقص الصوفي، ويطلق عليه "المولوي"، و الذي أخذ أبعاداً كبيرة، فمثلاً العمامة التي يرتديها الراقص لها دلالة معينة وكذلك اللبس والدوران وحركة اليد لها معنى، إذ جميعها تعبر عن رموز صوفية معينة، وقد انتشرت في العالم أجمع، ولكن الآن تحولت إلى نوع من الفلكلور، لأنه لما حكم أتاتورك تركيا قضى على الحركة الصوفية، ومنع الرقص المولوي، ولكن الآن تقدم في تركيا بشكل فلكلوري أكثر من حقيقته المعنوية التي كانت تحملها الرقصة قديماً.

ماهي النقطة المحورية في حياة الرومي التي أعطته هذا الوهج؟

أعتقد أن فقدان التبريزي له الدور الأساس، فقد غرس فيه رؤيته للعالم وللدين وللناس، فلسفة الرومي تقول بأننا الآن في القبر، الحياة قبرنا وحين نموت نذهب لحياتنا الأولى التي كنا موجودين فيها، وبالتالي الحياة هناك بالنسبة لنا أفضل، وله مثل يقول "الطفل لا يفهم بأنه عندما تفطمه والدته سيذوق ملذات العالم كلها"، وبالتالي هذا الوجود الوقتي في هذه الدنيا ننتظر عودتنا إلى عالمنا.

الرومي كان في حياته محوران، الأول أنه خرج من أفغانستان وهو لا يتعدى الـعاشرة، ربى في جلباب أبيه كما نعبر، كان يتعلم منه أحاديثه من لمحة صوفية خفيفة، لكن الجهد الأولي من حياته كان دراماتيكياً، حدثت له هزة قسمت حياته لقسمين، ما قبل شمس التبريزي وما بعده.

ماذا تقصد بالهزة التي حدثت للرومي؟!

فقبله كان يقتفي سيرة أبيه، ولكن حين ظهر التبريزي، تغيرت حياته 180 درجة، إذ جاء التبريزي للرومي، وطرح عليهِ سؤالاً، من الأحسن، النبي محمد "ص" الذي قال "ما عرفناك حق معرفتك،" أم البسطامي "أحد الدراويش" الذي قال الله في جبتي؟ وحين أجاب وانتهى الحوار، طلب منه شمس الذهاب معه، وبقيا لستة أشهر معاً دون حضور آخرين أو الخروج، في محاورات ومباحثات.

وحين خرج الرومي من هذه الخلوة تحول إلى شخص أخر، رمى الجبة والعمامة، وتخلص من كل ما يذكره بماضيه، ولبس الجلباب الصوفي، وبدأ إنشاد الشعر الذي لم يسبق له القيام بهِ، وكان يلتقي شمساً بشكل يومي، حتى أصيب تلامذته بما فيهم ولده سلطان بالغيرة، لدرجة أنهم حاولوا قتل شمس، ففر إلى الشام، فأرسل له الرومي ولده لإعادته، وحين عاد زوجه من فتاة كانت تسكن معه، ورغم ذلك بقي الهجوم عليه، وفي النهاية تمت تصفية شمس.

من هم الشخصيات المتأثرة بجلال الدين الرومي؟

أشهر شخصية متأثرة بالرومي محمد إقبال الشاعر الهندي الباكستاني، إضافة لكثير من الشعراء في الوطن العربي، الآن توجد جزئية ضائعة بين رؤيته وشعره والوطن العربي والكتاب، ولكن في الآونة الأخيرة بدأ الاهتمام بجلال الدين الرومي من خلال ترجمة كتبه والانفتاح على أفكاره ورؤاه، فمثلاً استلهمت الكاتبة التركية إليف شفق في كتابها قواعد العشق الأربعون، و هناك كتاب أيضاً استلهموا من حياة وسيرة جلال الدين الرومي، وأعتقد في الفترة القادمة ستكون هناك كتب كثيرة عن جلال الدين الرومي.

ما الذي رأه الامريكان في الرومي حتى يتم إنشاء حوالي 800 ألف موقع إلكتروني تتناول سيرته؟

أصبح الرومي يغزو أمريكا بروائحه الأدبية وهو أكثر الشعراء شعبية فيها، فالإقبال على دراسة أعماله انتشر في كل الجامعات الأمريكية، وصار موجوداً دائماً في الصفحات الثقافية.

وفي الوقت ذاته وصل الولع به إلى حد أنه خلال عشر سنوات فاقت مبيعات دواوينه مبيعات أي شاعر آخر، وأعلنت إحدى المجلات أن الرومي أشهر شاعر في أمريكا من خلال عدد مبيعاته، وهناك فرقة سمت نفسها باسمه، وكذلك بعض المغنيات غنوا له، فصار له وجود كما أعتقد، ويعتبر هو أكثر واحد الآن قادر أن يطرح نفس الأسئلة والمشاكل التي تطرح الآن، طرح وجود الإنسان وأهمية هذا الوجود، دوره.

كثير من الأمريكان أسلموا بسبب كتاباته، حتى في الهند وباكستان وآسيا الوسطى، يعتبرون كتاب جلال الرومي "المثنوي" كتاباً يكتشفون فيه حظهم كل يوم من شدة تعلقهم فيه، في أوروبا هناك كتاب قضوا 30 سنة في دراسة وقراءة الرومي، في إيران هناك تخصص لدراسة أدب الرومي.

الملاحظ أن حضور الأدب الفارسي للرومي والفردوسي وعمر الخيام وترجماته للغات أكثر حضوراً من الأدب العربي، ما السبب؟

كانت الفارسية اللغة السائدة في منطقة إيران، والهند، وأفغانستان، وسمرقند وغيرها، الفارسية كانت تعتبر تلك الفترة الفرنسية المعاصرة، فيها جمال في النطق، ولكن كانوا ينطلقون من خلفية إسلامية كبيرة، تعطيهم العمق العربي للغة.

معظم المثقفين المسلمين من فارس بما فيهم أئمة الحديث، والفلاسفة، ولم تكن لديهم النعرة الفارسية باستثناء الفردوسي.

عموماً لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى وكانت التقوى التي استندوا عليها، واستطاعوا البروز بها، الثقافة الإسلامية التي كانت في تلك الفترة تطرح العقل، الرؤية، الآراء المختلفة، وكانت الفارسية هي اللغة السائدة بحكم الحديث فيها تلك الأيام.

عُرِف عنك دخولك المجال الإعلامي، وألفت كتباً في أدب الطفل ترجمت إلى عدة لغات، ما الذي أضافه لك الرومي؟

أضاف لي رؤية واسعة للعالم، ورؤية للدين ورؤية لوجودنا الإنساني، علمني التواضع أمام الآخرين، كما أعطاني رؤية تجعلني أرى أمامي أكواناً هي أكواننا، فهناك كثيرون يخافون الموت لجهلهم بماهيته، حتى أصبح الموت بالنسبة لهم نهايتهم الأبدية، بينما جلال الدين الرومي قال إن الموت هو بداية الحياة، وبالتالي ليس هناك ما يدعو للخوف، فهو المعبر للعودة إلى عالمنا الأساسي الذي كنا فيه أصلاً، وذلك يغرس فينا الإحساس بالطمأنينة، وبذلك تنفتح لنا العوالم التي كانت موجودة وكانت مخفية علينا بسبب انغماسنا في العمل السياسي والعمل وفي الحياة الاجتماعية، وفي كثير من الأمور التي تشغل الإنسان عن تلك العوالم.

*هل نستطيع القول إن إبراهيم بشمي متأثر بالفكر الصوفي؟

كثير من الناس يعتبرون الصوفية فيها توجهات تخالف الدين، وفيها شعوذة، وأنها لا تتناسب مع العادات والتقاليد، ولكني اكتشفت أن الصوفيين كرابعة العدوية وإبراهيم بن أدهم، وأسماء كثيرة كانوا يمارسون التصوف كلٌ بطريقته الخاصة، فمنهم من لا يأكل ومنهم من ينظر للمرأة بنظرة كراهية شديدة، فالصوفية في رأيي يستطيع كل فرد أن يأخذ منها ما يناسبه، أنا شخصياً علمتني الصوفية التواضع واحترام الآخرين، ولكني لا أستطيع أخذ الصوفية بكل مظاهرها، فأنا لا أستطيع أن أجوع نفسي ولا أن ألبس الخشن أو حتى أن لا أنظر للنساء.

فالآن في عصرنا الحاضر نستطيع أن نأخذ من الحركة الصوفية الحقيقية ما يتلاءم معنا، وليست الحركة الصوفية الفلكلورية المتمثلة في الطعن بالسيف ووخز الجسم بالإبر.

*من اين أستقيت مصادرك التاريخية في كتاباتك حول جلال الدين الرومي؟

اعتمدت على 100 مصدر مترجم للغة العربية بشكل أساسي، وهناك كتابات كثيرة باللغات الأجنبية، ومن خلال القراءات والذائقة الشخصية انتقيت مجموعة كبيرة لكي أطلع القراء العرب على هذا التراث العالمي ليتعرفوا على هويته وأبعاده المختلفة، واخترت حسب ذوقي الشخصي وأخرجت 4 كتب تدشن قريباً.

الكتاب الأول "أنت النار وأنا الريح" يتناول غزليات جلال الدين الرومي، ويمكن أن تطبق على الحالة الشخصية والحالة العامة، بحسب منظور القارئ الشخصي، الكتاب الثاني "ذرات الغبار في ضوء الشمس" جمعت فيه ما جاء في الكتب التي تضيف للقارئ من الحكم وأمثال وأقوال لجلال الدين الرومي، وصغتها بأبيات من الشعر ومجاميع، أما الكتاب الثالث "شطحات الدراويش" كتبت فيه ما استطعت أن أجمعه من قصص وحكايات مرتبطة بالدراويش، إذ أستقيت هذه القصص من أكثر من 18 مصدراً، ووخرجت منهم تقريباً ب130 قصة وحكاية، والكتاب الأخير يتحدث عن حكايات جلال الدين الرومي.

*هل اختيار الشاعر قاسم حداد ليقدم قراءات في شعر الرومي جاء مقصوداً لكونه شاعر حداثة والأقرب للتعبير عن هذا المتصوف؟

شهادتي في قاسم حداد مجروحة، فهو صديق لي منذ 40 سنة، والحداد استطاع ان يخلق لنفسه مكانة شعرية في الوطن العربي ككل، وهو قادر على نحت الكلمة وتجاوز السائد، عنده طموح للتجديد في لغته وشعره وفي رؤيته و تطوره، فقاسم في حالة استنفار دائم مع الشعر والنثر والقصة واللوحة، وقادر على ان يتجاوز الركود، اختياره كان اختياراً موفقاً، فإضفاء اسم قاسم الفني على التدشين جعلته يستقرئ كتابات جلال الدين الرومي، ويعد قاسم مكسباً للتدشين ومكسباً للجمهور أيضاً.