موسى راكان

أقامت مبادرة القرّاء البحرينيون ندوة حوارية مع د.نادر كاظم بعنوان "النقد الثقافي ووسائل التواصل الاجتماعي" الخميس 14 سبتمبر، في "مشق جاليري" على شارع البديع.

وبدأ عريف الندوة حسين عبدالعزيز بالتعريف بشخص الدكتور، وذكر مؤلفاته من مثل: كراهيات منفلتة، إنقاذ الأمل، خارج الجماعة، طباع الاستملاك.. إلخ.



وأثنى الدكتور نادر كاظم على مبادرة القرّاء البحرينيون بدأ بتلمس تعريف "النقد الثقافي" وكيف أن مواضيعه مختلفة جداً عن بعضها البعض، وكيف أن بدايته الفعلية كانت مطلع التسعينيات، مشيراً إلى أن المكتبة العالمية تمتلئ بمواضيع النقد الثقافي رغم الاختلاف الظاهري بينها كمواضيع.

واستعرض كاظم ثلاثة تعريفات للنقد الثقافي، أولها تعريف فنست ليتش في كتابه "النقد الثقافي، والنظرية الأدبية، وما بعد البنيوية" خلص فيه إلى أن النقد الثقافي اتجاه أو نظرية حديثة في سياق تطور النظرية الأدبية، بالتالي فالنقد الثقافي يتجاوز الاهتمام بأدبية الأدب ويتوسع ليشمل غيره بتحليله كنصوص وتمثيلات وتاريخ ورموز وإلخ بوصفها ظواهر صراع واشتباك بين القوى، إذ إن علاقات القوى والهيمنة تؤثر في كل ما يتوفر لها لتعيد إنتاج نفسها.

والتعريف الثاني بحسب كاظم، هو تعريف عبدالله الغذامي أول ناقد عربي قدم النقد الثقافي عربياً في كتابه "النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية"، وفيه أعلن الغذامي عن موت النقد الأدبي، فالنصوص الأدبية متورطة بأنساق قبلية تُمرّر إلى الناس دون انتباه ودون وعي بما يكمن وراء النصوص بغض النظر عن جماليتها، فالنقد الثقافي يهتم بالخطابات والنصوص التي لها جمهور واسع كالشعر، لذا فمن حقها أن تنال نصيباً من الفحص والتحليل.. وهو ما يسمح بالكشف عن الألاعيب والقيم المُضمرة ما يمثل أهمية تفوق أهمية النقد الجمالي.

ويتفق الغذامي مع ليتش بأن النقد الثقافي جاء من النقد والنظرية الأدبية، فالنقد الثقافي محاولة للخروج من عباءة النقد الأدبي.

أما التعريف الثالث، فهو تعريف آرثر آسا برغر في كتابه "النقد الثقافي"، وهو برأي كاظم أفضل الكتب في تقديم النقد الثقافي للناس، وفيه يربط برغر بين النقد الثقافي ومجالات أخرى مثل الماركسية والسيموطيقا ودراسات الإعلام، ويصف برغر النقد الثقافي بالمظلة التي تغطي مجالات مختلفة، فهو أقرب لأن يكون طريقة في الشغل، بمعنى آخر هو نشاط وليس مجال معرفي، لكنه يسعى للكشف عن الأنظمة الثقافية والأيديولوجية وأساليب الهيمنة، ويذكر برغر في كتابه أسماء مهمة عالمياً في مجال النقد الثقافي، فمثلاً من فرنسا رولان بارت ولويس ألثوسير وجاك لاكان، ومن ألمانيا كارل ماركس وماكس فيبر ومدرسة فرانكفورت، ومن أمريكا نعوم تشومسكي، بالإضافة إلى آخرين.

وأكد كاظم أن كل تلك الأسماء المهمة عالمياً في مجال النقد الثقافي لم يسموا أنفسهم نقاداً ثقافيين، لكن الحقيقة أن النقاد الثقافيين يقفون على أكتافهم، لذا فمن المهم الاطلاع على أعمالهم في سياق دراسة النقد الثقافي، وذكر كاظم أن المؤسسين الفعليين للنقد الثقافي هم ثلاثة: ريتشارد هوغارت، ريموند وليامز، ستيوارت هول.

وأشار كاظم أن بداية النقد الثقافي كانت الاهتمام بوسائل الإعلام إذ كانت تمارس عملية تمرير إهتمامات غير حقيقية تضلل الناس عن الاهتمامات الحقيقية، فكانت النظرة سلبية تجاه وسائل الإعلام لإشاعتها ثقافة جماهيرية سطحية، وأيضاً كان يُرى أن لها دوراً في تأجيل الثوران العمالي.

ورأى كاظم أنه من غير السليم وضع كل مواقع التواصل الاجتماعي في سلة واحدة، كما ورأى أنه من الصعب تقديم شيء واضح عنها على الصعيد البحريني، لكنه أشار إلى مؤلف لعبدالله الغذامي تناول فيه "ثقافة تويتر" من أساليب التغريد و المغردين داخل المملكة العربية السعودية.

وشرح كاظم كيف أن الإعلام لعب دوراً مهماً في تشكيل الوعي واللاوعي الاجتماعي للكبار قبل الصغار، وكيف أنه أتى في سياق "سقوط النخبة و صعود الشعبي"، مستشهداً بمثال عن مجادلة مفترضة بين المفكر المرحوم محمد عابد الجابري وعبدالباري عطوان ينتصر فيها الأخير لإجادته فن المجادلة أمام الجمهور، موضحاً الفرق بين النجومية والنخبة الثقافية، وكيف أن الإعلام خلق "مثقفي الفاست فود": سريع الكلام، ساردا نكت، ذا بديهة، دون تعمق وحجج تأملية.

ويرى كاظم أننا مع السوشال ميديا سرنا خطوة أخرى في سياق "سقوط النخبة وصعود الشعبي"، إذ طغت نجومية السوشال ميديا على نجومية الإعلام، ولم تكتفِ بذلك بل وقلبت الطاولة على الإعلام الذي كان يمارس دور حارس البوابة بانتقائه المواضيع والأخبار ومن يستضيفهم، واليوم السوشال ميديا تقرر ما يحتاج التغطية من عدمها حتى في الإعلام القديم نفسه، لذا نجد أن الإعلام بات يتقلص عبر ما نشاهده من تحول في الصحافة إلى إلكترونية وغير ذلك.

وذكر كاظم أنه وفق إحصائية في تقرير لكلية دبي للإدارة الحكومية لعام 2017 بلغ عدد مستخدمي الفيس بوك بالبحرين المليون مستخدم، و200.000 مستخدم بتويتر، و140.000 مستخدم بإنستغرام، وأن هذه الأعداد في تزايد.

وروى كاظم الانتقادات القاسية التي وجهها الفيلسوف أمبرتو إيكو إلى شبكات التواصل الاجتماعي في مقابلة مع صحيفة لاستمبا الإيطالية، قال إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك "تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، إنه غزو البلهاء".

ويرى كاظم أن هناك تراجعاً في التعامل بالفيس بوك بينما التويتر لم يعد صالحاً للحوار والنقاشات إذ أصبح بيئة للسب ونشر الكراهية والتهديد، ففي تقرير لمركز كرنيغي للشرق الأوسط عام 2015 رصد 7 ملايين تغريدة طائفية بين فبراير وأغسطس مركزها المنطقة العربية.

وكشف كاظم عن كتاب له قريب النشر بعنوان "هجاء الكراهية" فيه فصل يركز فيه على مواقع "اللا تواصل الاجتماعي"، وكيف يجري العمل من خلالها على إعادة إنتاج الكراهيات الطائفية، ورأى كاظم أنه بالنسبة لإنستغرام والسناب شات فالوضع مختلف، إذ التحكم فيهما أقوى والبيئة محددة أكثر، وطرح تساؤلاً: لماذا نتخلى فيهما بشكل طوعي عن خصوصيتنا؟ و ما دلالة ذلك؟

وذكر أن عالمة الأعصاب سوزان غرينفلد في كتابها "تغيّر العقل" ذكرت كيف أن التقنيات تترك بصمتها على أدمغتنا، وكيف أنه صار من المطلوب أن تشتغل الأدمغة بصورة سريعة وخاطفة وسطحية تنفر من الجدية والعمق.

وأضاف: برأيي أنه ليست الأدمغة وحدها التي تتغيّر بل حياتنا وشخصياتنا تتغيّر بسبب السوشال ميديا، فتفاعلات الواقع صارت لا تكفي للإشباع أو الإرضاء، وتحقيق ذلك بات عن طريق الإعجابات والتعليقات، بمعنى آخر إن تقدير الذات تغيّر من أمور واقعية إلى أمور سطحية.

وأشار إلى أن كل ذلك يترك في داخل النفس حاجة للمقارنة وإن بشكل لا واعي، كما ويكشف عن الكثير من التفاهة في حياتنا اليومية وهو ما يجعلنا نقوم بـ"فلترة" ما لا يستحق النشر.

وأوضح وجود نزعتين متضادتين، الأولى التفاخر الاجتماعي والثانية الخوف من الحسد، بالتالي تلعب السوشال ميديا دور في تعزيز التفكك الاجتماعي، كما أشار إلى دورها في تعميم ثقافة الاستهلاك وتسهيل لا محدود في تسويق السلع والخدمات.

وركز كاظم على دور السوشال ميديا في تعميق الطبيعة المزدوجة عند المرء، موضحاً أن ذلك إما أن يخلق شخصية نفاقية وإما شخصية شيزوفرينية، كما وركز على دورها في تخريب وتفتيت المجال العام عبر تجزئته وتزييف الرأي العام، دون أن يستعبد دورها في تعميق ذهاب الشخص في حياته الخاصة وتفاصيلها.

ومن خلال استعادة تعريف النقد الثقافي أفاد كاظم أن أي خطاب ليس ببريء ولا بمعزل عن صراع القوى و الهيمنة، ودائماً ما يكون هنالك ما وراءه، ونصح بكتاب لساندوفال "السوشال ميديا ؟ الشخصيات اللاتواصلية للإعلام الرأسمالي".

وانتهى كاظم إلى الإشارة إلى أن مؤسسي النقد الثقافي رفضوا اعتبار النقد الثقافي علم لأسباب منها: التحرر من صلابة العلم، الغرض اجتماعي أكثر من كونه علمياً، وجود شحنة أيديولوجية.