كشف كتاب "#الطموح الأحمر" لكاتبه #يوسف البنخليل عن أن السفير الأمريكي الأسبق في المنامة روبرت فورد طلب من وزير العدل البحريني في مارس 2004 ملاحقة عدد من القضاة جنائياً على خلفية إقالتهم، مبيناً أن المسؤولين البحرينيين رفضوا الطلب الأمريكي واعتبروه تدخلاً في شؤون البلاد الداخلية.

ويتناول الكتاب، الذي تنشره "الوطن" متسلسلاً، طبيعة التدخل الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الشؤون الداخلية للبحرين، والدور الذي قامت به واشنطن في أحداث 2011.

وأظهر الكتاب في فصل بعنوان "السفارة تبحث عن العمامة" اهتمام السفارة الأمريكية برجال الدين والمؤسسات الدينية في البحرين، مستشهداً بامتداح السفير الأمريكي ويليام مونرو في 13 يوليو 2005 عيسى قاسم بسبب خطبة ألقاها واستنكر فيها الأعمال الإرهابية، ودعا إلى حوار الحضارات بدلاً من صدام الحضارات.



وكان الكتاب أورد وصفاً أمريكياً سابقاً لعيسى قاسم بأنه "متطرف يدعو إلى إدخال التعليم الطائفي في المدارس".

ولفت الكتاب إلى إعداد السفارة الامريكية خلال مارس 2006 تقريراً مطولاً بعنوان "الإسلام السياسي في البحرين: القيم المشتركة، والأجندة المختلفة للجمعيات السياسية الإسلامية".

وقال إن التقرير عرض رؤية أحد أعضاء شورى الوفاق الذي تحدث لأحد المسؤولين في السفارة يوم 23 يناير 2006 قائلاً "إن الوفاق لن تشكل أبداً تحالفاً مع الجمعيات الإسلامية السنية". وأكد المسؤول الوفاقي للسفارة أن "انشغال الأصالة والمنبر الإسلامي بالقضايا الاجتماعية يشكل عقبة أمام التقدم. بالمقابل تعتبر الوفاق تنظيماً إسلامياً يسترشد به كبار رجال الدين الشيعة". وأعرب عن أمله أن يتم تقليص تأثير رجال الدين الشيعة على سياسة الوفاق وصولاً إلى إنهائه، لأنه يقبلهم كقادة روحيين لا سياسيين.

وعرض الكتاب تعليق السفير الأمريكي على التقرير إذ خلص إلى أن "انشغال السياسيين من الإسلاميين السنة بالقضايا الدينية أثّر بشكل سلبي على البرلمان". فيما اعتبر مشاركة الوفاق في الانتخابات "يمكن أن تؤدي إلى تعزيز أداء مجلس النواب".

وفي ما يلي تفاصيل العنوان الثالث من القسم الأول من الكتاب:

شهدت البحرين في مارس 2004 خطوة نادرة عندما أقال وزير العدل ستة قضاة من المحاكم الشرعية دون الكشف عن الأسباب أو التفاصيل. تدخل السفير الأمريكي في المنامة روبرت فورد وطلب من وزير العدل في 17 مارس 2004 ملاحقة القضاة جنائياً عبر المحاكم من أجل إدانتهم وسجنهم، حيث ستكون هذه الخطوة دليلاً قوياً على الالتزام بسيادة القانون في البحرين.

ومن الواضح أن تلك الفكرة لم تحظ بموافقة المسؤولين في البحرين الذين اعتبروها تدخلاً واضحاً في شؤون البلاد الداخلية، خاصة أنها تمس شأناً يتعلق بالسلطة القضائية.

تعكس هذه الحادثة اهتمام السفارة الأمريكية برجال الدين والمؤسسات الدينية، وتحديداً بالإسلام السياسي سواءً كان سنياً أو شيعياً. وهو ما وضعها في مفارقات تاريخية لم يتم تسليط الضوء عليها كثيراً.

ومن أمثلة انشغال السفارة بالإسلام السياسي امتداح السفير الأمريكي ويليام مونرو في 13 يوليو 2005 عيسى قاسم بسبب الخطبة التي ألقاها واستنكر فيها الأعمال الإرهابية، ودعا إلى حوار الحضارات بدلاً من صدام الحضارات. وكانت تلك إشادة نادرة برجل دين شيعي في البحرين.

أيضاً إعداد السفارة الأمريكية خلال مارس 2006 تقريراً مطولاً من 30 صفحة وإرساله إلى واشنطن على ثلاثة أجزاء في 6 و21 و28 مارس من العام نفسه بعنوان "الإسلام السياسي في البحرين: القيم المشتركة، والأجندة المختلفة للجمعيات السياسية الإسلامية".

تناول الجزء الأول من التقرير الجمعيات السياسية الإسلامية الرئيسة الثلاث وأجنداتها. وتناول الجزء الثاني تصورات الجمعيات السياسية والسياسيين على الأجندة الإسلامية. أما الجزء الثالث فتناول ردود أفعال المجتمع المدني، ورجال الأعمال والليبراليين تجاه الإسلام السياسي.

عرض الجزء الأول من التقرير المشهد السياسي للجمعيات السياسية الإسلامية الرئيسة، وهي المنبر الإسلامي، والأصالة، والوفاق. واعتبر الجمعيات السياسية الإسلامية السنية مثيرة للجدل، واستعرض مجموعة من الأمثلة على مواقفها المثيرة، مثل رفض إقامة حفل غنائي للفنانة نانسي عجرم في العام 2004 "الذي أدى إلى تراجع نطاق الأنشطة الثقافية في المجتمع". وكذلك الاحتجاج في العام نفسه على تصوير مسلسل "الأخ الأكبر" في البحرين بعد تنظيم هذه الجمعيات مظاهرات معارضة للبرنامج.

تطرق التقرير كذلك إلى استخدام الإسلاميين السنة الأدوات التشريعية المتاحة لهم في البرلمان للضغط على الحكومة فيما يتعلق بالسياسات الاجتماعية. وحدد مثالاً يتعلق بمنع تقديم المشروبات الكحولية خلال شهر رمضان 2005، عندما أصدرت الحكومة قراراً للمرة الأولى يحظر تقديم الكحول في المطاعم والحانات في فنادق خمس نجوم، حيث لم يتم الالتزام بها من قبل إدارات هذه المنشآت، لكن بحلول منتصف الشهر التزمت هذه الفنادق بالقرار الوزاري بعد تهديدها بالإغلاق. وتم ذلك بعد ضغوط تلقاها وزير الإعلام من قبل النواب الإسلاميين السنة الذين أعلنوا رغبتهم باستجواب الوزير. في الوقت نفسه طالب 22 نائباً بتعليق تراخيص تقديم المشروبات الكحولية في الفنادق لمدة تصل إلى 3 أشهر.

من النماذج التي قدمها التقرير حول الإسلاميين السنة واستخدامهم أدواتهم البرلمانية الاقتراحات برغبة التي تم تقديمها للتأثير على سياسة الحكومة. حيث قدمت كل من المنبر والأصالة اقتراحات برغبة تتعلق بإغلاق جميع المنشآت التجارية لمدة ساعتين أثناء صلاة الجمعة، ومقترحاً آخر بفصل الجنسين في القاعات الدراسية بجامعة البحرين. كما اقترح أحد أعضاء كتلة الأصالة البرلمانية تعديلاً لقانون العقوبات في البلاد يسمح ببتر يد اللصوص طبقاً لتعليمات الشريعة الإسلامية.

تحدث التقرير عن رؤية السلفيين للإصلاحات، حيث أكد أنهم لم يرغبوا في الانخراط بالسياسة منذ البداية، لكن رؤيتهم تقوم على عدم إمكانية السماح للآخرين بتنفيذ أجنداتهم على حساب أجندات السلفيين. وترى الأصالة أن اختيار الناس للسلفيين يعد اختياراً للإسلام، وهو ما جذب الناخبين لهم. وتعتمد في نشاطها البرلماني على تلبية احتياجات المواطنين بدلاً من الانشغال بقضايا نظرية مثل الإصلاح الدستوري. إضافة إلى ذلك فإن الأصالة ترى أن الإصلاحات يجب أن تتم ببطء من أجل إعطاء الحكام والناس وقتاً كافياً للتكيف مع الظروف الجديدة.

ومن المسائل التي أثارها التقرير التباين الكبير بين موقف المنبر الإسلامي والأصالة فيما يتعلق بترشيح المرأة للانتخابات البرلمانية، حيث ترى الأصالة عدم إمكانية ترشيح المرأة، وتؤكد أنها لن ترشح أي امرأة للانتخابات التشريعية. بالمقابل تؤيد المنبر الإسلامي ترشيح المرأة لهذه الانتخابات، وترى أن "منح المرأة حقوقها السياسية لا يخالف التعاليم الإسلامية، بل يجب أن يكون دافعاً لتحقيق تطلعاتها والمساهمة في تنمية المملكة".

أما فيما يتعلق بالموقف من جمعية الوفاق، فإن التقرير عرض رؤية أحد أعضاء شورى الوفاق الذي تحدث لأحد المسؤولين في السفارة يوم 23 يناير 2006، قال فيه: "إن الوفاق لن تشكل أبداً تحالفاً مع الجمعيات الإسلامية السنية. وعدم ثقة الشيعة في جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين متجذرة بعمق". وأكد المسؤول الوفاقي للسفارة أن انشغال الأصالة والمنبر الإسلامي بالقضايا الاجتماعية يشكل عقبة أمام التقدم، ويشتت الانتباه عن القضايا الهامة التي تواجه المجتمع البحريني. بالمقابل تعتبر الوفاق تنظيماً إسلامياً يسترشد به كبار رجال الدين الشيعة. وأعرب عن أمله أن يتم تقليص تأثير رجال الدين الشيعة على سياسة الوفاق وصولاً إلى إنهائه، لأنه يقبلهم كقادة روحيين لا سياسيين.

انتقد المسؤول الوفاقي في حديثه للسفارة الأمريكية انشغال النواب بالقضايا الهامشية، وسماحهم للحكومة أن تفعل ما تشاء إزاء القضايا الوطنية الهامة. وأكد أن الوفاق إذا قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية، فسترشح مجموعة من النساء، مستشهداً بانتخاب 3 شخصيات نسائية في شورى الوفاق.

كان ذلك ملخص التقرير الذي أعدته السفارة الأمريكية، لكن السفير نفسه كتب تعليقاً مهماً في نهايته، ذكر فيه: "البحرينيون مثلهم مثل معظم مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، محافظون دينياً، لكنهم يتمتعون بالانفتاح للخارج ربما بسبب الاعتماد التقليدي على التجارة. يميل المجتمع إلى التمسك بشكل وثيق بالمعتقدات والممارسات الإسلامية، وكثير منهم يشعرون بعدم الارتياح لتفضيل الإسلاميين. وبسبب الانقسامات الطائفية، فإن الغالبية العظمى من البحرينيين تعترض من حيث المبدأ على السياسيين السنة الذي يحاولون فرض تفسيرهم للإسلام والمجتمع على جميع المواطنين. ورغم ذلك فإن الناس تميل إلى التصويت للإسلام عندما يكون أحد الخيارات. ومن المتوقع هيمنة المترشحين الإسلاميين ـ السنة والشيعة على السواء ـ في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومن المرحج أن يدعم الناخبون المترشحين الإسلاميين الذين يركزون على القضايا الوطنية، بدلاً من إدخال الدين في الحياة العامة".

استند الجزء الثاني من التقرير على آراء مجموعة من السياسيين المنتمين لتيارات سياسية إسلامية سنية وشيعية، إضافة إلى عدد من اليساريين والليبراليين. وخلص التقرير إلى أن هناك علاقة بين الإسلاميين السنة والكتل السياسية والحكومة، فغالباً ما يتم التوافق بين هذه الأطراف إذا تدخل طرف من الأطراف في قضايا مهمة بالنسبة لكل طرف. إضافة إلى أن الحكومة حريصة على تأمين ما أسماه تقرير السفير الأمريكي "القاعدة السنية".

بشكل عام، فإن الإسلاميين السنة يركزون على القضايا الدينية، وبالمقابل يركز أعضاء البرلمان الشيعة على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إثارة التوترات الطائفية. ولا يرغب أي من الجانبين في فهم أو العمل بجدية على سياسات الطرف الآخر، لذلك يرى المواطنون أن السنة والشيعة يعملون في مختلف الاتجاهات.

أيضاً أوضح التقرير أن الحكومة لاتزال تستخدم الإسلاميين السنة للحفاظ على التوازن ولمنع قيام تحالف سني ـ شيعي. كما أنها ـ أي الحكومة ـ لا تتحدى الإسلاميين في سياساتهم وأجنداتهم. وتقديراً لذلك، فإن الإسلاميين السنة يكونون صامتين دائماً تجاه قضايا الفساد وتنمية الأراضي، والدستور، والدوائر الانتخابية، والعمل، والإسكان، وغيرها من القضايا المهمة.

حذّر التقرير من تداعيات سياسات الإسلاميين على البيئة التجارية من خلال الحد من القدرة على استقطاب الاستثمارات، وزيادة الشعور لدى السياح بأنهم غير مرحب بهم، وهو ما يزيد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية على الدولة. هذا ما تركز عليه الحكومة التي تقوم بإلقاء اللوم على الإسلاميين، بدلاً من تحملها للمسؤوليات. قدم التقرير مجموعة من الأمثلة على مكافآت الحكومة للإسلاميين، أبرزها تعيين عدد منهم في مناصب وزارية.

خلص تعليق السفير الأمريكي في نهاية الجزء الثاني من التقرير إلى أن انشغال السياسيين من الإسلاميين السنة بالقضايا الدينية أثّر بشكل سلبي على البرلمان. واعتبر مشاركة الوفاق في الانتخابات من الممكن أن تؤدي إلى تعزيز أداء مجلس النواب في مجالات الرصد والإشراف على ميزانية الحكومة، ومساءلتها، حيث أنها ستركز على القضايا الوطنية بدلاً من القضايا الدينية.

ركز الجزء الثالث من التقرير على تشكيل تيار "لنا حق" الذي ظهر في ديسمبر من العام 2005، وهو تيار يضم 29 منظمة غير حكومية قام كردة فعل احتجاجية على تزايد نفوذ الإسلاميين في البرلمان. وأصدر التيار إعلاناً يدعو الجمهور إلى الدفاع عن الأفراد والحريات المدنية. واستعرض مجموعة من الشهادات لشخصيات سياسية بحرينية ذات ميول ليبرالية ترفض تزايد نفوذ الإسلاميين، ومساعيهم نحو "أسلمة" المجتمع، وهو ما يتعارض مع طبيعة مجتمع البحرين المنفتح.

أكد التقرير أن العائلات التجارية البحرينية البارزة أوقفت منح تبرعاتها للجمعيات الإسلامية ومنظماتهم الخيرية. وتم تأسيس كيان جديد يمثل القطاع الخاص للأعمال الخيرية وتنمية المجتمع. وشدد الليبراليون، الذين تحدثوا أثناء إعداد التقرير، على ضرورة تشكيل قوة لإحداث التوازن مع الإسلاميين، وضرورة أن يتحدث الليبراليون للدفاع عن مصالحهم.

انتهى التقرير إلى تأكيد الانقسام الحاد في المجتمع بين الإسلاميين، خاصة السنة منهم، وبقية التيارات التي ترى في الإسلاميين قوة تسعى إلى فرض أجنداتها وفكرها على المجتمع، وهو ما يتعارض مع طبيعته المنفتحة. وعوّل على تيار "لنا حق" للحد من نفوذ الإسلاميين، لكن التقرير حذّر من التأثيرات الإقليمية مثل الطائفية في العراق، والتوترات مع إيران التي تؤثر بشكل مباشر ومثير في انقسام المجتمع البحريني، وانهيار توازنه لصالح الإسلاميين في إطار ما أسماه بـ "معركة الأيديولوجيات".