مثلت استضافة جامعة الدول العربية لاحتفالية النسخة الـ 7 من جائزة سمو الشيخ عيسى بن علي بن خليفة آل خليفة للعمل التطوعي، مناسبة جيدة لتأكيد صورة البحرين المتميزة أمام المحافل المختلفة، وعبرت مجدداً عن قدرة المملكة بمؤسساتها وكوادرها ومواقفها ورؤاها على الوصول برسالتها الحضارية والإنسانية لأكبر قاعدة ممكنة من الناس سواء في المنطقة أو في العالم.

ففي حدث يعقد لأول مرة في تاريخ واحدة من أهم جوائز البحرين الإنسانية، وداخل مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، ووسط حضور كثيف من كبار السياسيين والمسؤولين والمهتمين ووسائل الإعلام، تم تكريم رواد العمل التطوعي العربي، الذين حصلوا على "جائزة سمو الشيخ عيسى بن علي للعمل التطوعي" لعام 2017، لتؤكد البحرين ريادتها في مساندة ودعم أولئك الذين يقدمون الخير لأوطانهم وشعوبهم غير عابئين بأي تحديات قد تواجههم.

وكشفت الاحتفالية التي شهدت اهتماماً لافتاً من جانب وسائل الإعلام المحلية والدولية، عن حضور بحريني كبير في أوساط المهتمين بالعمل الإنساني عموماً، والتطوعي والأهلي بشكل خاص، ومدى التقدير الخاص لأدوار المملكة إزاء قضايا وملفات خدمة الإنسان في العالم، وحجم إسهاماتها في مجالات العمل التنموي الدولي، والدعم الذي توفره من أجل خير البشرية جمعاء.


واعتبر حفل توزيع الجائزة بمثابة امتداد لنهج المملكة الإنساني، ودليل على فهمها الواسع لاحتياجات بعض دول المجتمع الدولي، فضلا عن أسبقية جوائزها الإنسانية ـ التي تمثل في الحقيقة سفراء قوتها الناعمة إلى دول العالم المختلفة ـ في الدفع نحو آفاق أرحب من التنمية المستدامة، وتحقيق الحياة الكريمة للشعوب النامية، وسد جانب كبير من احتياجات رواد العمل التنموي والإغاثي في دول العالم أجمع.

وقد بدت الاحتفالية التي حظيت بإشادة وتقدير واسعين، وكأنها تجسيد حقيقي لنجاح البحرين في التعبير عن جانب مهم من جوانب اهتمامات المجتمع الدولي، ومتطلباته التنموية والإنسانية المتزايدة، ألا وهو: ثقافة العمل التطوعي، وقدرة المجتمعات البشرية بمكوناتها وشرائحها ومستوياتها المختلفة على المساعدة في تلبية الاحتياجات الاجتماعية للإنسان ومتطلباته في العيش الكريم، خاصة مع تزايد دور المنظمات الأهلية في دول العالم المعاصر، ومساهماتها الواضحة في تحقيق التنمية عموماً، ودعم قطاعات جماهيرية بعينها كالشباب والمرأة وغيرها بشكل خاص.

وواقع الأمر، أن للبحرين تجربتها المتميزة في العمل الإنساني والتطوعي والخيري، حيث تعد من أوائل الدول التي آمنت بقدرة القطاع الأهلي على تقديم يد المساعدة، ولديها قناعة مطلقة بأهمية الدور الذي تقوم به المنظمات الأهلية في عمومها في تطوير المجتمعات وتنميتها سواء في داخل المملكة أو في خارجها.

ولعل ذلك ما يفسر النمو المتزايد في عدد تلك المنظمات العاملة في البلاد، حيث شهدت السنوات الأخيرة إقبالاً على إنشائها والانضمام لها والمساهمة عبرها في تنمية قطاعات مجتمعية بعينها، سيما أن الدولة لم تبخل عليها بتقديم الدعم اللازم لها، سواء المادي منه أو المعنوي، حتى بلغت حوالي 617 منظمة متنوعة في مختلف المجالات.

ولذلك ليس بمستغرب أيضاً أن تقدم البحرين العديد من الجوائز والمساهمات في مجالات العمل الإنساني عموماً، والتطوعي والأهلي بشكل خاص، نتيجة اهتمامها الكبير بمثل هذه النوعية من الأعمال التي تستهدف تشجيع ودعم المبادرات الفردية والجماعية للعمل في العديد من القطاعات التنموية، والمساهمة ولو بجزء يسير في زيادة قدرة شرائح المجتمع المختلفة، وتوسيع الخيارات أمامهم، ناهيك بالطبع عن المساعدة ولو بقدر يسير في العمل بجانب مؤسسات الدولة الرسمية في أداء الأدوار الاجتماعية المناطة بها.

وهنا يشار على سبيل المثال لا الحصر لتلك الجوائز التي تحمل اسم العاهل المفدى، والتي تعبر عن جهود جلالته المتواصلة في مجال خدمة الإنسانية، حاضرها ومستقبلها، من قبيل: جائزة "اليونسكو-الملك حمد بن عيسى آل خليفة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم"، وجائزة "جلالة الملك حمد العالمية للاختراع العلمي"، و"جائزة الملك حمد لتمكين الشباب" من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي أطلقت مؤخراً وتعتبر الأولى من نوعها على المستوى العالمي، وغيرها من الجوائز التي أشادت بها المنظمات الدولية.

كما يشار إلى جائزة "الشيخ عيسى لخدمة الإنسانية" التي أقرت بمرسوم ملكي في العام 2009، وتعد الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط لتكريم العاملين ذوي الأثر العميق في خدمة الإنسانية، وهي الجائزة التي نجحت في الارتقاء بالعمل الخيري والتنموي في جميع أنحاء العالم، بالنظر إلى حجم المشاركين فيها من دول العالم المختلفة، والإقبال على الاستفادة منها من جانب أوساط مجتمعية مختلفة شملت شرائح ومستويات ومكونات اجتماعية عديدة.

بجانب ذلك، هناك جائزة "صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة للتنمية المستدامة"، التي تعكس تقدير سموه للجهود المبذولة من قبل الأفراد والمنظمات والمؤسسات في مجال التنمية. وكانت قد منحت في سبتمبر 2016 للوزير السابق للأراضي والإسكان والتجمعات البشرية بجمهورية تنزانيا والوكيل السابق للأمين العام للأمم المتحدة، والمدير التنفيذي السابق لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "الموئل"، وذلك في احتفال كبير بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.

و"جائزة البحرين لريادة الأعمال" التي تقام تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس التنمية الاقتصادية، وذلك بالشراكة مع عدة مؤسسات محلية، إضافة إلى مكتب منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "يونيدو" للاستثمار والتكنولوجيا في البحرين، وهي الجائزة التي تم تكريم البحرين أمميا بسببها في نوفمبر 2016 تقديراً للدور العالمي لجلالة الملك المفدى ولمملكة البحرين في تكريس قصة نجاح النموذج البحريني لريادة الأعمال، الذي يُعمل به حالياً في 48 دولة حول العالم.

هذا فضلاً عن "جائزة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة للبحث العلمي في المجال الرياضي"، والتي اتسعت مساحتها في دورتها الثانية لتشمل الوطن العربي بعد أن كانت تقتصر على تقدير دور البحث العلمي في المملكة في التنمية الرياضية، وذلك منذ أن بدأت الجائزة دورتها الأولى عام 2012.

علاوة على "جائزة الشيخ خالد بن حمد للمشروع التنموي المستدام" والتي تمنح سنوياً للمنظمات الأهلية الوطنية والأجنبية العاملة في البحرين، والتي أتاحت للقائمين على العديد من المؤسسات الأهلية في المملكة توسيع نطاق أعمالها وتعميم الخير على المستفيدين منها.

وأخيراً وليس آخر "جائزة سمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة للعمل التطوعي"، التي عبرت بدورها ليس فقط عن دعم الاتجاه العالمي المساند للعمل التطوعي، والمشاركة في تنمية العمل التطوعي في الوطن العربي، والذي تمت ترجمته في إطلاق جامعة الدول العربية لعقد العمل العربي لمنظمات المجتمع المدني 2016 / 2026، وإنما في تعزيز مسيرة العمل الأهلي والمنظمات الطوعية على المستويين الإقليمي والدولي.

وهنا تبرز أيضاً جهود المملكة الدائمة في قيادة العمل الإنساني والتطوعي والخيري عموما، من قبيل قيامها بتنظيم: منتدى البحرين للعمل الخيري في مايو عام 2015، الذي اعتبر واحداً من أهم الفعاليات التي دعمت رسالة البحرين الإنسانية في المنطقة والعالم، وكان بمثابة ملتقى جسد حقيقة الدور الفاعل الذي تقوم به المملكة على الصعيد التنموي.

وكذلك إطلاق "جائزة البحرين للوعي المجتمعي "إنسان"، التي تنظمها هيئة تنظيم سوق العمل، و"جائزة لؤلؤة البحرين" التي أطلقتها هيئة البحرين للثقافة والآثار لتكريم الكُتّاب والباحثين في مجال خدمة وتنمية المجتمعات والارتقاء بها في الوطن العربي، و"جائزة ناصر بن حمد للإبداع الشبابي" والتي تم فتح المجال للشباب من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للمشاركة في نسختها الثانية عام 2012، وغيرها.

ولا شك أن مجمل هذه الجوائز البحرينية في مجالات العمل الإنساني والتطوعي والتنموي والخيري تعكس أهمية قيمة العمل الإنساني لدى المجتمع البحريني بكافة مكوناته وأفراده، ومدى قوة مؤسسات المجتمع المدني البحرينية وفاعليتها على تلمس احتياجات الناس سواء في داخل البحرين أو في خارجها، والوصول إليها، والوفاء بها قدر المستطاع، وهو مؤشر مهم ضمن مؤشرات قياس ديمقراطية الدولة والمجتمع في المملكة، ودليل واضح على إدراك قيادتها الرشيدة، ووعيها بأهمية تعزيز مسارات العمل الطوعي من جانب كل أفراد المجتمع.