رغم ثراء التجارب الأخيرة التي خضتها مع نخب ثقافية وسياسية من أغلب الدول الشرق أوسطية والأوروبية، إلاَّ أنه في أحاديث ولقاءات عدة جمعتنا لم أتمكن من تجاوز حقيقة الشماتة التي لمستها في حديث أغلبهم، بل تلك النظرات التي كنت أرقبها جيداً وكأنها وضعت لرصد ردود أفعال الخليجيين من دول المقاطعة، بينما يتحدث قطري معبراً عن موقفه من قرار المقاطعة في تأييد لنظام بلاده، أو يعبر كويتي عن رأيه بحرص شديد على أن يلتزم موقف الحياد ويحلل الأمور من خارج دائرة النار، وترقبهم لتعليق من الدول المقاطعة الخليجية الثلاث، وكأننا في ساحة دولية لصراع الديكة..!! ما دعاني للبحث عن دواعي تلك الشماتة التي لم يبرأ من الوقوع فيها بعض العرب، للأسف الشديد..!! وأوجز تلك الدواعي -باعتقادي- في نقاط.

1- لقد شكل الخليج العربي كياناً قل نظيره في العالم والمنطقة خصوصاً، وأصبح له ثقل استراتيجي وسياسي واقتصادي أكبر من لو كان التعامل مع دوله فرادى.

2- لقد منح مجلس التعاون قوة تكاملية مع المملكة العربية السعودية، ما جعل السعودية أقوى الدول الكبرى في الشرق الأوسط مثل مصر وتركيا وإيران، ولا شك في أن القوة السعودية انعكست على بقية دول الخليج العربية، ولربما أسهمت -جزئياً- في بروز الدور الإماراتي الجديد.

3- بينما يتعرض الشرق الأوسط برمته لعمليات تفكيك وتقسيم منظمة تحت غطاء «الطموح الشعبي» و«إرادة الشعوب»، بدا مجلس التعاون محصناً من الانقلابات على الحكم أو الاضطرابات الأمنية التي تدعو لضياع البلاد كما حدث في دول عربية أخرى، ولعل البحرين من أنجع الأمثلة على ذلك.. ومن كان يصدق أن البحرين ستتجاوز أزمتها على هذا النحو سوى أشاوسها وإخوتهم الخليجيين؟!!

4- دول شرق أوسطية وأخرى عالمية ليس من مصلحتها بروز تلك القوة الآخذة في التصاعد خليجياً، وكان من المثير للحماسة لديها أن تسهم في إثارة الفوضى والفرقة بينها، أو تشهدها على أقل تقدير.

ورغم تلك الأسباب التي جعلت من الخليج محط منافسة وأثار حنق البعض في المجتمع الدولي، علينا الاعتراف بأنه لزمت مراجعة الأهداف والمشتركات في المجلس، والتأكيد على الثوابت التي ليس ثمة مجال للمنازعة عليها أو التحليق خارج أطرها بما يجلب الضرر لعموم الكيان لحساب دولة منفردة، وبكل الأحوال والظروف فعلى المجلس أن يبقى قوياً شامخاً، وإننا وإن كنا نتطلع لانفراجة في الأزمة الخليجية عقب التصريحات الأخيرة لصاحب السمو أمير الكويت ومساعيه الجبارة، حفظه الله، ولكن لا مناص من القول إنه أيما كانت نتيجة الاستجابة القطرية لمناقشة المطالب، فإن الأمور ستبدو للجميع أكثر وضوحاً حول مصير مجلس التعاون الخليجي، ما يمكن من تشييد صروحه من جديد وإعلائها.

* اختلاج النبض:

بدت جلية.. ضرورة ترميم مجلس التعاون الخليجي وإعادة النظر في هيكله الحالي، ونظامه الأساسي، وتحديثه بما يواكب حجم التحديات التي تعصف بالمنطقة والتطلعات الشعبية والرسمية نحو مستقبله، ولا شك في أن العمل على ذلك وتحقيقه سيدحر نظرات الشماتة الدولية وسيخبرهم كم هو عظيم هذا الخليج وكم هم عظماء أبناؤه.