تحدث التجاوزات في عزاء الحسين من قبل البعض غالباً بسبب تهاون بعض أصحاب المآتم أو ترددهم في استخدام حقهم في جعل العزاء الذي ينظمونه خالصاً لوجه الله تعالى ومعبراً عن المناسبة التي هي إحياء لذكرى أليمة تتعلق بسبط النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، والذي يكفله لهم القانون، والأكيد أن أولئك الذين يسمحون لأنفسهم بالتجاوز والركوب على ظهر المناسبة يستفيدون من تردد أصحاب المآتم أولئك وتفضيلهم عدم الدخول في مشكلات معهم فيعملون على حرف المناسبة عن أهدافها وتحويلها إلى حدث سياسي، فيعمدون مثلاً إلى ترديد قصائد تحمل أكثر من معنى يغلب معناها السياسي على الديني أو تؤدي إلى الإساءة إلى طرف أو أطراف أخرى ومن دون أن تضيف مفيداً للمناسبة.

سكوت أصحاب المآتم عن تجاوزات من يرتقون المنبر الحسيني الذي يفترض أن يكون حسينياً خالصاً يعود عليهم بالضرر ويجعلهم يبدون ضعيفي الموقف والإرادة، وسكوتهم عن استغلال بعض المعزين لمواكب العزاء التي ينظمونها يزيدهم ضعفاً ويقلل من شأنهم ويحرجهم أمام المسؤولين عن تنظيم المواكب الحسينية وغيرهم من المسؤولين في المملكة الذين ساعدوهم في الإعداد لهذه المناسبة، لهذا فإن عليهم أن يكونوا حاسمين حازمين كي لا يبدوا كذلك وكي لا يكونوا مشاركين في حرف عزاء الحسين الشهيد عن أهدافه وغاياته.

مناسبة عاشوراء مناسبة دينية بحتة، وليس مقبولا أبدا «التذاكي» بربطها بأحداث اليوم، الداخلية أو الخارجية، فما حدث في العام 61 للهجرة النبوية في كربلاء حدث في ظروف مختلفة لا علاقة لها بظروف اليوم وإن كان ممكناً إيجاد تشابه يعين على الاستفادة منه استفادة سالبة من قبل البعض الذي يريد فعل ذلك، فمثل هذا الأمر يمكن فعله مع أحداث تاريخية كثيرة لو كانت النية غير صافية.

في بعض السنوات وتحديداً في الثمانينيات من القرن الماضي حضرت احتفالات ليلة العاشر من محرم في دبي ووجدت ما يستحق التنويه به واقتراح تطبيقه هنا، ففي تلك الإمارة يتم الاحتفال بذكرى عاشوراء بطريقة تخدم قضية الحسين بشكل أفضل من الطريقة المعتمدة في دول أخرى كثيرة ومنها البحرين. في تلك الليلة يجتمع الناس من مختلف الثقافات والمذاهب في المأتم الذي تتوفر فيه منصة خطابة ومنبر حسيني، ويبدأ البرنامج بتقدم عريف الأمسية بالحديث لدقائق معدودة عن المناسبة وأهميتها ثم يفسح المجال لأحد الحضور الذي يتقدم فيلقي من المنصة محاضرة لمدة لا تزيد عن ربع ساعة يلقي من خلالها الضوء على أهمية المناسبة وأهداف ثورة الحسين وجوانب من نتائجها، يتلوها إلقاء شاعر أو أكثر لقصائد تمتدح الحسين وآل البيت الكرام وتبين جوانب من «انتصار الدم على السيف» والذي هو الشعار الأساس لهذه المناسبة العظيمة، ثم في آخر المطاف يطلب من أحد المتخصصين في القراءة الحسينية ليصعد المنبر ويتحدث عن ليلة العاشر من محرم وكيف قضى الإمام الحسين وأصحابه تلك الليلة أو ما جرى في يوم العاشر من محرم. أما الراغبون في التعبير عن مشاعرهم بطريقة أخرى فإنه يتاح لهم ذلك في حوش كبير يلتزمون فيه بعدم الإدماء وعدم الخروج إلى الشارع.

هذه الطريقة أفضل دونما شك من كثير من الممارسات التي تعود المحتفلون بهذه المناسبة عليها هنا وخصوصاً تلك الدخيلة والمختلف بشأنها بين مراجع الشيعة، كما أنها تتيح لغير المنتمين لهذا المذهب من المسلمين المشاركة فيها والتعبير عن حبهم لآل البيت. الإشكالية هنا تكمن في حكم العادة وتقاليد العزاء وربما عدم تقبل البعض لمشاركة المحاضرين والشعراء معتلي المنابر في المآتم في هذه المناسبة. ربما كان الأسهل بدء تطبيق هذه الفكرة في مؤسسات أخرى غير المآتم.