استكمالاً لما تطرقنا له في اليومين السابقين، فيما يتعلق بالفساد الإداري، وظلم البشر، وقيادة القطاعات للهاوية عبر سوء الإدارة.

السؤال: هل يكون المسؤول فاسداً منذ بداية توليه المسؤولية، أم أن هناك من يحوله لفاسد، ويزين الفساد في عينيه؟!

هي نفسها ذات الجدلية التي تتحدث عن الإنسان، وكيف يتحول إلى شخص سيء، إذ ما نعرفه أن كل إنسان يولد نقي السريرة، بريئاً، وبذرة الخير فيه متأصلة، ثم يحدد هو مسارات حياته، ويختار سلوكياته، فإن نشأ صالحاً وحافظ على صلاحه يستمر كذلك، لكن إن قبل التأثر بالمفسدات حوله، بالضرورة سينتهي فاسداً.

كذلك حال كثير من المسؤولين، أغلبهم يمسك المنصب ويستلم المسؤولية وفي باله أفكار عديدة للتطوير والبناء وغيرها من الأمور الطيبة، لكن تستغرب حينما يتغير كثيرون منهم، فتراه إنساناً مختلفاً عما عرفته سابقاً، وهذا ما أسميه هنا هو «تأثير الكرسي».

لكن من المهم معرفة «العامل الأول» الذي يفرض عملية التغيير هذه، والذي يسهل «انقلاب» كيان الشخص، وهو ما تعرفونه جميعاً باسم «الضمير».

وهنا دائماً ما رددت وكتبت جملة أثيرة بالنسبة لي، تتمثل بالقول إن الإنسان طالما يمتلك «ضميراً حياً» فإن معدنه من الصعوبة أن يتغير، لكن حينما يكون ضميره «مستتراً» وتقديره «مات»، فهنا انتظروا الكارثة.

لكن كيف ينقلب الضمير، أو كيف يموت ويختفي؟!

أعرف حالات من البشر، جلست على الكراسي وسيرتها ناصعة البياض، لديها مبادئ وقيم طيبة، وتجول في خواطرهم أفكار تتصادم لزحمتها كلها معنية بالإصلاح والتطوير، لكن للأسف أمور حصلت وأثرت عليهم، فحولت الصالح إلى طالح.

هل نقول «البطانة»؟! نعم هي عامل مؤثر وهام، لكن يسبق البطانة حالة «الوسوسة» التي يقوم بها بعض البشر ممن يعتبرون تجسيداً لوصف «الوسواس الخناس».

هؤلاء «الموسوسين» بالشر، هم أول من يحاولون «تلقف» المسؤول، ومعرفة الشخصية الحقيقية التي تختفي خلف وجهه، هل هو قابل للإفساد؟! هل يمكن أن ندخله في دائرتنا للفساد واللعب بمقدرات الأمور؟! أم أنه شخص ذو مبادئ لا تغيرها المغريات؟! أو شخص لا يستمع لجهة واحدة، ولا يسلم الأمور لقول فلان وعلان، بل يتأكد ويحرص ألا يظلم البشر؟!

هناك شخصيات تم الدخول لها عن طريق المديح والتعظيم والتفخيم، حتى تحولوا لطواويس، وهناك شخصيات تم الدخول لها عبر بيان المكاسب الخاصة التي يمكن أن يتحصلوا عليها، على رأسها السفرات والمهام الخارجية وغيرها. وهناك من تم «هز ثقته» الداخلية بنفسه، عبر التصوير له بأن كل شخص مؤهل وكفء يمثل خطراً جسيماً على كرسيه، فقرب الفاشلين وأبعد المؤهلين.

حينما ينجح «الوسواس الخناس» أياً كان، سواء مدير مكتب، أو مساعد إداري، أو حتى فراش وصباب قهوة في التأثير على قرارات المسؤول، هنا أعرف أن الظلم سيقع على البشر لا محالة، وأعرف أيضاً -وهي الكارثة الأكبر- بأن القطاع في طريقه للهاوية.

في كل مكان «وسواس خناس»، يحاول أن يسير الأمور والمسؤول قبلها حسب أجندته ومخططاته المريضة، في كل موقع ستجد مثل هذه النوعيات من البشر، ومحاربتها والقضاء عليها لا تتم من خلال البشر أو الموظفين، بل لابد وأن تكون من خلال المسؤول الأول، وشريطة ذلك ألا يتنارل هذا المسؤول عن «ضميره» أمام المغريات، شريطة أن يتعوذ دوماً من «الوسواس الخناس» الموجود في قطاعه، سواء أكان فرداً أم جماعة.