لم يلتفت إقليم كردستان العراق للأصوات الموجودة داخل وخارج العراق بعدم إجراء الاستفتاء المتعلق باستقلاله عن العراق، مع أنني كنت أميل شخصياً لعدم إجراء هذا الاستفتاء حفاظاً على وحدة الشعب العراقي وسيادة العراق على أراضيه، وتجنبه الانقسام وتداعياته على البلاد مستقبلاً.

لكن الاستفتاء قد تم فعلاً، وشارك فيه نسبة كبيرة من الأكراد تجاوزت 92 %، أي قرابة ثلاثة ملايين كردي من إجمالي أربعة ملايين ونصف المليون ممن يحق لهم التصويت، بحسب المتحدث باسم المفوضية الانتخابية شيروان زرار، وقد ترتب على هذا التصويت ونتائجه استياء واسع في العراق وإيران وتركيا وسوريا وغيرها من بعض الدول الغربية، الذين لم يقتنعوا بتطمينات رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي أكد أن الاستفتاء لا يعني إعلان الاستقلال، بل بداية «محادثات جدية» مع بغداد لحل المشاكل العالقة ومنها مسألة الحدود والمناطق المتنازع عليها.

وعندما تعرب دول عربية عن حرصها على العراق موحداً بدون انقسام، فهذا أمر طبيعي كون العراق جزءاً أصيلاً من الأمة العربية، وأن تعرضه لانقسام يضعف هذا الكيان الذي يهمنا أمره كعرب، ولكن عندما تدعي إيران على لسان بعض مسؤولي نظامها من إنها ضد انفصال الإقليم وأنها متمسكة بوحدة أراضي العراق وسيادته الوطنية، وضد تغيير الحدود الجغرافية، فهذا لا يعني الخوف والحرص على العراق، لأن هذا النظام هو من فرق الشعب العراقي وزرع بينهم الطائفية والشقاق والفتنه، وقتل منهم كل من يخالفه من خلال ذراعه العسكري وهو ما يسمى بـ «الحشد الشعبي»، الذي أصبح كياناً منصهراً في الجيش العراقي.

إيران لم ولن تكون صادقه بشأن وحدة العراق، بل هي جزء أصيل من مشروع ما يسمى بـ «تقسيم المنطقة العربية»، فكل دولة تدخلت إيران في شؤونها هي قريبة من التقسيم بعد شتات وتناحر شعبها ولنا في العراق، ولبنان، وسوريا واليمن شواهد على ذلك، وكذلك «نفخ» إيران في الأزمة الخليجية واقتتاتها منها دليل جديد على حرصها على عدم تماسك العرب ووحدتهم، ورغبتها العارمة في تناحرهم ودب الشقاق بينهم، ولكن في كردستان، فالأمر مختلف، حيث إن انفصال إقليم كردستان عن العراق لا يخدم مصالح إيران بالدرجة الأولى، بل انه سيرتد عكسياً على مشروعها الاستعماري ورغبتها في السيطرة على المنطقة العربية.

وللتوضيح أكثر، فإن هذا الاستفتاء الكردي ونتائجه ورغبة الانفصال، يعتبر تهديداً للترابين الإيراني والتركي على حد سواء وليس العراقي فقط، حيث إن حلم الأكراد هو قيام دولة الأكراد الكبرى التي ستستحوذ على نسبة كبيرة من الأراضي التركية والإيرانية وكذلك السورية، لذلك ارتعدت فرائص إيران من نتائج الاستفتاء وتصدعت أدمغة مسؤولي نظامها من هذا الكابوس، خصوصاً بعد أن ظهرت مسيرات لأكراد إيرانيين في مناطق «بانه وساغر وسانانداج» في إيران تؤيد الاستفتاء والانفصال، وهم يعتبرون أقلية في إيران «6 ملايين نسمة من أصل 80 مليوناً هم تعداد الشعب الإيراني»، وصوتهم مكبوت عند النظام الإيراني مثل كل الأقليات التي تخالف النظام الإيراني ومذهبه.

ولا يتعلق الأمر فقط بتهديد التراب الإيراني بل أيضاً بحقول النفط الموجودة في كركوك والتي تقع تحت سيطرة قوات البشمركة الكردية التي حررتها من تنظيم الدولة «داعش»، كما إن هذا الاستفتاء ونتائجه، ستدفع بأقاليم أخرى في إيران للمطالبة بالانقسام مثل الأحواز، وبلوشستان وهي مناطق ذات أراض واسعة وكبيرة ويسكنها ملايين من البشر المضطهدين الذين كل ذنبهم أنهم لا يتفقون مع سياسة إيران.

هذا ما تخشاه إيران صراحة، وليس حرصها على وحدة العراق كما تدعيه في الإعلام، إيران تخشى على أراضيها من التقسيم، بالرغم من أنها في الأصل دولة «مركبة» ومزيج من أراضي تشمل الأحواز والبلوش والأذريين والأكراد إلى جانب الفرس، ولكل منهم لغتهم الخاصة وعاداتهم وتقاليدهم وحضاراتهم، لذلك إيران تخشى إن حصل الأكراد على انفصالهم ونجحوا في تكوين دولتهم، أن تعقبها تحركات للأحوازيين والبلوشيين للانفصال ومطالبتهم بتشكيل دولهم أيضاً، وبالتالي ضياع الدولة الإيرانية وتلاشيها، وهذا بالتأكيد ما لا تريده إيران وستدفع كل ما تملك لعدم تحقيق ذلك، من خلال إجهاض التقسيم الكردي.