فاطمة عبدالله خليل:

أكد خالد طاشكندي مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية أن على الحكومة القطرية الاعتراف بأن خيارها الآمن هو البقاء داخل محيطها الخليجي والعربي، داعياً الدوحة للعودة للحضن الخليجي بعدما أصبحت عملياً خارج المنظومة، واستبعد طاشكندي ما يتم تداوله من جهات متفرقة حول انسحاب قطر من مجلس التعاون، معللاً رأيه بوجود انقسامات حالية داخل مؤسسة الحكم في الدوحة، ومعارضة شعبية متنامية ضد السياسات التي انتهجها صانع القرار هناك.

وبين طاشكندي أننا محاطون بقوى إقليمية لديها حساباتها التي تقف وتعمل ضد مصالحنا، وتعمل بمبدأ "فرق تسد"، وأن الدخول في مرحلة الاتحاد الخليجي يخدم مصالحنا المشتركة بشكل أفضل وأكثر أماناً، مؤكداً على أن التوجه نحو الاتحاد الخليجي زال قائماً.


وبشأن التحولات التي تشهدها المملكة العربية السعودية، أوضح طاشكندي أن المملكة تعيش حالياً ذروة نشاطها بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير الشاب محمد بن سلمان، ونجحت في تصدر المشهد الفاعل والإيجابي في المنطقة، منوهاً بأن المملكة ستشهد خلال فترة قياسية طفرة غير مسبوقة في عدة مجالات ويأتي في مقدمها المجال السياحي.

وأرجع طاشكندي تلك القفزات النوعية للمملكة إلى تذبذب أسواق النفط منذ الربع الأخير في العام 2014، والذي وصفه بالنقطة المفصلية في التفكير بجدية نحو مستقبل السعودية وأجيالها القادمة، ليتمخض هذا عن رؤية المملكة. ولا شك أن للمرأة نصيباً من تلك التحولات الهامة؛ إذ بيّن أن المرأة السعودية تعيش أزهى أيامها من حيث الجانب الحقوقي والوصول إلى المكانة اللائقة بها،بعد سنوات وعقود من الانتظار والمعاناة بسبب القيود والعادات والأعراف الاجتماعية.

من جهة أخرى فقد فرضت التحولات التي تشهدها المنطقة نفسها في هذا اللقاء، لاسيما وأن طاشكندي كان قد طرح وجهات نظر لافتة بشأن القضية الكردية تحديداً، ما دعانا لسؤاله حول موقفه من انفصال الأكراد، ورغم القول بعدم معارضته لطموحهم الانفصالي إلاَّ أنه لم يسبق أن تكون للأكراد دولة منذ فجر التاريخ رغم امتداد حلمهم هذا لحوالي 4 آلاف عام، واعتبر قيام دولة على أساس عرقي في زمن العولمة فكرة غير عصرية، وستشتعل حروباً جديدة في المنطقة.

في هذا السياق علل طاشكندي الموقف الإسرائيلي الداعم لقيام الدولة الكردية بأن إسرائيل تدرك تماماً أن ذلك سيفضي إلى المزيد من الحروب التي ستفكك دول المنطقة وتضعفها، وهو أمر يصب في مصلحة إسرائيل وبقائها كدولة مستقرة وقوة إقليمية مهيمنة في المنطقة. لكنه من جهة أخرى برر الموقف التركي الرافض للانفصال.

وفي حيادية لافتة، وبينما أبدى تفهماً للموقف التركي حيال قيام الدولة الكردية، ندد بالمساعي التركية في دول الخليج العربية ودعا لضرورة الوقوف ضد أي أسباب تؤدي إلى فتح المجال أمام أي مطامع توسعية كما يحصل من قبل إيران التي كلما اختنقت داخلياً ضاعفت من تدخلاتها الخارجية أو سياسة التمدد والتدخل في شؤون دول المنطقة.

ولن يكن الحديث عن الأكراد كأقلية مقبولاً بمعزل عن الأقليات الأخرى في المنطقة ومن بينها الأحواز التي ترتبط بعروبتها وثقافتها ارتباطاً وثيقاً بالدول الخليجية على الضفة الغربية، رغم وقوعها تحت وطأة الحكم الإيراني في الضفة الشرقية، وبيّن طاشكندي أن الحديث عن الأحواز العربية مختلف كلياً عن الأكراد؛ فالأحواز قومية مضطهدة قهرياً، وتعاني من عدم المساواة في كل شيء، وتتعرض لعمليات الإعدام السياسي وجرائم التطهير العرقي. واعتبر طاشكندي ما يجري في الأحواز جرائم حرب لا يجب الصمت حيالها، وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الوقوف ضد هذه الممارسات والتصدي لها. مؤكداً على حق الشعب الأحوازي بحماية نفسه والانفصال إذا استمر هذا الوضع دون تقدم.

ورغم الدعوات المتكررة من الكثيرين في دول الخليج العربية بأهمية دعم بعض الحركات الانفصالية للأقليات في المنطقة وخصوصاً الأحواز العربية، من أجل كسر شوكة بعض الدول وإيران في مقدمتها، أشار طاشكندي إلى أن الحركات الانفصالية للأقليات بوجه العموم ليست من مصلحة المنطقة وأن لها تبعات متوقعة تقوم على محاولات ومساعي تصدير الفوضى من خلال تسلل الإرهابيين والسلاح عبر الحدود، وتصدير شتى أنواع المشكلات إلى دول الجوار.

ورغم إقراره بأن دعم انفصال الأحواز سيضعف إيران وبالتالي نتخلص من خطرها القائم على دول المنطقة ومحاولة التدخل في شؤونها ومضاعفة نفوذها الخارجي، إلاَّ أنه لم يؤيد ذلك معللاً بأن الأبرياء هم من سيدفعون الثمن.

إن الحديث مع طاشكندي ذو شجون، ورغم ما احتواه من ثقل سياسي تحليلي محملاً بعودة ثرية إلى التاريخ، إلاَّ أنه كشف عن جوانب إنسانية غابت عن كثيرين، وبين هذا وذاك هناك الكثير مما كشفه من فكره ومواقفه خلال هذا الحوار الذي نورد إليكم نصه:

ما تقييمك للتغيرات الحاصلة في المملكة العربية السعودية من عاصفة الحزم إلى قيادة المرأة للسيارة؟

عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يشهد تسارعاً في مواكبة التحولات والتغيرات الإقليمية والعالمية لمواجهة التحديات المستقبلية والتخلص من أي تراكمات خلفتها البيروقراطية التي نشأت في عدد من القطاعات الحكومية مع مرور السنوات متسببة في ترهلها كنتيجة لسنوات عديدة من الاعتماد شبه الكلي على الاقتصاد الريعي المعتمد على عوائد النفط، ومن المعروف أن الاعتماد على الاقتصاد الريعي تترتب عليه تبعات سلبية تساهم في تنامي الكثير من الظواهر السلوكية والثقافية والاجتماعية التي تؤثر على حركة مسيرة التنمية.

أما على صعيد الظروف السياسية الإقليمية والتوترات القائمة، فسياسة الدولة واضحة ولديها نهج وأسس ثابتة تعمل بناء عليها في معالجة كل ملف بحكمة وترعي الأطر السياسية والأنظمة الدولية في التعامل مع هذه القضايا الإقليمية وغيرها.

والمملكة حالياً تعيش ذروة نشاطها بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير الشاب محمد بن سلمان، ونجحت في تصدر المشهد الفاعل والإيجابي في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب، وتأكيد العمق الاستراتيجي للمملكة في اليمن، عبر عاصفة الحزم، وكذلك مواقفها الداعمة لتحقيق السلام والأمن بالمنطقة والعالم، وفي الشأن الداخلي بدأنا نلتمس نتائج حركة النشاط الدؤوب والمتسارع في تنفيذ خطة التحول الوطني 2020 وفقاً لرؤية 2030، والتي تهدف في مجملها إلى تحقيق مفهوم التنمية المستدامة والتطور والازدهار على جميع الأصعدة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وبالتالي كانت إحدى ثمراتها حصول المرأة السعودية على الكثير من التمكين والحقوق.

ما التحولات المرتقبة في المملكة العربية السعودية في قادم الأيام؟ وكيف أسهمت رؤية 2030 السعودية في تحريك المياه الراكدة منذ عقود؟

ستشهد المملكة انفتاحاً كبيراً في المجال الاقتصادي من خلال تحرر القطاعات الاقتصادية المختلفة وتخفيض القيود على الاستثمارات الأجنبية وخصخصة العديد من القطاعات، يضاف إليها بيع 5% من شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو السعودية ومن المتوقع أن ينتهي بيعها قبل نهاية العام القادم وستحقق ما يفوق الـ 100 مليار دولار، ثم يأتي أهم هدف وهو المرحلة ت الاستراتيجية المستهدفة في هذه الرؤية، وهي أن تكون لدينا ميزانية لا تعتمد على الإيرادات الناتجة عن النفط والتي تشكل حالياً أكثر من 70% من الإيرادات الحكومية.

كما ستشهد المملكة خلال فترة قياسية طفرة غير مسبوقة في المجال السياحي والتي ستولد الكثير من الوظائف وتنعش الحركة الاقتصادية، وستقدم للعالم ما تكتنزه السعودية من معالم وآثار وتراث وشواطئ خلابة بصورة لافتة، وهي أحد أبرز التحولات المترقبة.

إجابة على الشق الثاني من السؤال، يجدر بنا أن نقول أن تذبذب أسواق النفط منذ الربع الأخير في العام 2014 كان نقطة مفصلية في التفكير بجدية نحو مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة، ومن هنا انبثقت الرؤية كمرحلة مفصلية في تاريخ المملكة بشكل عام والاقتصاد السعودي بشكل خاص، ولأن الدوافع ذات أهمية قصوى ومصيرية ومن منطلق تحقيق المصالح الوطنية العليا والتي تساندها وتدعمها السواعد الوطنية الشابة، تحركت جميع القطاعات نحو تنفيذ متطلبات الرؤية ابتداء بمرحلة التحول الوطني 2020 تمهيداً لتحقيق الرؤية التي تحقق لنا ما نصبوا إليه من تطور وتنمية مستدامة.

ما الذي حققته المرأة السعودية من وجهة نظرك؟

المرأة السعودية تعيش أزهى أيامها من حيث الجانب الحقوقي والوصول إلى المكانة اللائقة بها، ومواكبة التطور الذي تشهده المملكة في شتى المجالات خاصة في التعليم والعمل والجانب الاجتماعي، وأتى ذلك بعد سنوات وعقود من الانتظار والمعاناة بسبب القيود والعادات والأعراف الاجتماعية التي كانت بحاجة إلى وقت زمني وجهد كبير لتجاوز عقبتها.

وهي الآن تصل إلى أعلى المناصب، وتشارك في المشورة وصناعة القرار، بعد أن أثبتت قدرتها وجدارتها في الحصول على الفرص التي اتيحت لها والانجازات التي حققتها، مما مهد الطريق للمزيد من التمكين للمرأة في هذه المرحلة لتقوم بدورها التنموي كشريك أساسي ومهم وفاعل في المجتمع السعودي، والقادم أجمل.

كمراقب سياسي.. كيف ترى المخرج للأزمة الخليجية؟ وهل ترى في الأفق انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي؟

المخرج الأمثل هو عودة قطر إلى جادة الصواب، فلا حل منطقيا سوى أن تعترف الحكومة القطرية بأن خيارها الآمن هو البقاء داخل محيطها الخليجي والعربي، والتوقف عن الاهتمام بالمشاريع والمخططات التي تتعارض مع سياسات دول المجلس وتقف ضد مصالحها وتؤثر على أمنها ومستقبلها ولا تراعي أدنى حدود احترام حسن الجوار وما تربطنا ببعضنا من قواسم مشتركة ووحدة المصير.

قطر حالياً، أصبحت عملياً خارج المنظومة الخليجية، ولكن هناك تحركات ومساع من الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب نحو معالجة الأزمة باتباع المسارات الدبلوماسية المتاحة لاحتواء التمرد القطري بأكبر قدر من الحكمة.

ولا أعتقد أن قطر سوف تنسحب من مجلس التعاون، فهناك حالياً انقسامات داخل مؤسسة الحكم في قطر، ومعارضة شعبية متنامية ضد السياسات التي انتهجها صانع القرار في الدوحة، ومن ناحية أخرى، من المؤكد أن الحكومة القطرية تدرك التبعات الخطيرة من الانسحاب من مجلس التعاون وإلا لما وقعت على اتفاق الرياض 2013، ولكنها ظلت تناور من حين إلى آخر كنتيجة لتحزب قطاعات الدولة وتغلغل التنظيمات الحركية في مفاصل صناعة القرار، وهو أمر خطير وبحاجة إلى موقف جاد ومصيري من الحكومة القطرية قبل أن تصل إلى مرحلة تفقد فيها السيطرة على هذه التنظيمات والجماعات المتطرفة والراديكالية التي احتوتها ودعمتها ومولتها لتحقيق سياسات وأهداف تتعارض مع بقائها داخل المنظومة الخليجية، وخروجها يعني أنها ستهيم في العراء الإقليمي بلا مساندة من محيطها الخليجي، وستجد نفسها حتماً بين مطرقة وسندان تركيا وإيران، وهي البدائل الوحيدة التي ستجدها أمامها.

الأزمة الخليجية الراهنة، كشفت ضعف في هيكل مجلس التعاون.. ما الحلول المقترحة منكم لتطوير هذا الهيكل؟

نعم هذا صحيح، وكان الأجدر بدول الخليج أن تتجه نحو "الاتحاد" في ظل التحديات الراهنة والمستقبلية، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وكان ولا زال هذا التوجه قائماً ولكن بحاجة إلى إرادة وعزيمة أقوى، خاصة وأننا محاطون بقوى إقليمية لديها حساباتها التي تقف وتعمل ضد مصالحنا، وتعمل بمبدأ "فرق تسد"، والدخول في مرحلة الاتحاد الخليجي يخدم مصالحنا المشتركة بشكل أفضل وأكثر أمانا.

ولكن أرى أن دول الخليج، لم تصل بعد لمرحلة من الوعي الكافي بأهمية التوجه نحو التحول من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، ولذلك اتوقع أننا مع الوقت إما سنصل إلى مرحلة نفاد الخيارات لتدفعنا نحو الاتحاد وإما أن ينفرط عقد المجلس بسبب تراكم الخلافات ومن ثم نقوم باستحداث تكتلات جديدة أقرب إلى صيغة الاتحاد سواء كان فيدراليا أو كونفيدرالياً مع من تبقى من دول المجلس ودول عربية أخرى.

في مقال لك بجريدة عكاظ عنونته ب"دولة الأكراد.. الكابوس القادم"، هاجمت طموح الأكراد بدولة مستقلة. لماذا؟ وما الذي يمنع القوميات من الاتحاد؟

الأكراد لم يسبق أن تكون لهم دولة منذ فجر التاريخ، هذا الحلم الذي امتد منذ قرابة 4 آلاف عام، لم يسبق أن تحقق نتيجة لظروف تاريخية وسياسية وجغرافية مختلفة ومتباعدة، وكان وشيكاً على التحقق بعد الحرب العالمية الأولى وتحديداً في معاهدة سيفر 1920 التي وعدت بإقامة دولة مستقلة للقومية الكردية التي تنامى تعدادها في المنطقة، بحيث تتم على مراحل وصولاً إلى ما يسمى بحق تحقيق المصير، ولكن المعاهدة انهارت بسبب تراخي الموقف الأمريكي بعد وصول الحزب الجمهوري للحكم، ورضوخ القوى العظمى آنذاك لمطالب تركيا في حقها بالحفاظ على المزيد من الأراضي التي كانت تحت سيطرتها قبل انهيار الدولة العثمانية، ومن بينها الأقاليم ذات الأكثرية الكردية، وبالتالي تم التوقيع على اتفاقية أخرى وهي معاهدة لوزان 1923 التي قسمت القومية الكردية بين تركيا والعراق وإيران وسورية، ودون أن تكون لشعوب ودول المنطقة اليد الطولى في هذا التقسيم.

وأنا لست ضد قيام دولة للأكراد، ولكن طرأت مع الزمن تعقيدات ومتغيرات تفرض عدم قيام دولة للأكراد، فقيام دولة على أساس عرقي في زمن العولمة اصبح فكرة غير عصرية، ومن ناحية أخرى، ستؤجج الصراعات مع الدول الأربع التي اندمجت بها عدد من القوميات العرقية المختلفة، وتفكيك هذه الدول وإقامة دول جديدة على أساس عرقي سيقف ضد الحق السيادي للدول القائمة ومصالحها الاقتصادية والسياسية، وبالتالي حتماً ستشتعل حروب جديدة في المنطقة ليست من مصلحة الجميع.

كما يجب أن نشير إلى أن الأقاليم الكردية بالمنطقة تعج أيضاً بقوميات أخرى ومتوازنة معها نوعياً في الديموغرافيا السكانية، وبالتالي اذا حصل الأكراد على حق إقامة دولة على أسس إثنية، إذن من حق القوميات الأخرى أن تنشئ دويلاتها وبالتالي نحن أمام المزيد من الاضطرابات، ومن هنا يجب أن نفكر في إطار الحقبة الزمنية التي نعيشها والتي باتت تفرض الحاجة إلى بلورة ودمج مفاهيم الفلسفة البراغماتية ضمن طيات الدساتير التشريعية في هذه الدول التي تحتضن العديد من القوميات لضمان تساوي الحقوق، وحتى تستطيع شعوب المنطقة مع الوقت صهر وتحليل المذهبية والطبقية والقبلية والقومية الإثنية، وبالتالي استحداث طبقات شعبية وطنية سليمة ديموغرافياً، ومن ثم تتعاقب من بعدها أجيال تستطيع التعايش فيما بينها وتحترم سيادة قوانينها.

كيف تفسر الموقف الإسرائيلي حيال المطالب الكردية من جهة، والموقف التركي من جهة أخرى، لاسيما مع الدور الجديد الذي باتت تلعبه تركيا في الداخل الخليجي من خلال تواجدها في قطر؟

الموقف الإسرائيلي الداعم لقيام الدولة الكردية يدرك تماماً أنه سيفضي إلى المزيد من الحروب التي ستفكك دول المنطقة وتضعفها، وهو أمر يصب في مصلحة إسرائيل وبقاءها كدولة مستقرة وقوة إقليمية مهيمنة في المنطقة. واتفهم الموقف التركي ضد قيام الدولة الكردية، لأنه سيفضي إلى المزيد من التوتر والاضطرابات في الأقاليم الكردية في تركيا والتي ستؤثر على استقرارها اقتصادياً وأمنياً، أما بالنسبة إلى الدور التركي الذي تريد أن تلعبه في الداخل الخليجي، فهو محاولة منها لإيجاد نفوذ أوسع في المنطقة يخدم مصالحها الاقتصادية التي باتت تختنق من التقلبات الاقتصادية العالمية وعدم اتاحة المجال لها في الدخول إلى منظومة الاتحاد الأوروبي بشكل كامل، وعلينا أن نقف ضد أي أسباب تؤدي إلى فتح المجال أمام أي مطامع توسعية كما يحصل من قبل إيران التي كلما اختنقت داخلياً ضاعفت من تدخلاتها الخارجية أو سياسة التمدد والتدخل في شؤون دول المنطقة.

ما رأيك في الحركات الانفصالية للأقليات الأخرى في المنطقة؟ كالأحواز مثلاً.

منطقة الأحواز مرت بنفس مشكلة الأكراد في مرحلة سايكس-بيكو والمعاهدات والاتفاقيات التصحيحية التي تلتها، فكما أصرت تركيا على بسط نفوذها على أقاليم كردية بعد انهيار الدولة العثمانية، أيضا تخلت القوى الغربية وتحديداً بريطانيا عن استقلال إمارة الأمير خزعل (الأحواز حالياً) في 1917 من أجل أن يكون في المنطقة كيان إيراني قوي وموحد يستطيع أن يقف حائلاً أمام أي محاولة للشيوعيين الروس من الوصول للمياه الدافئة بعد تنامي قوتهم إثر انتصار الثورة البلشفية في روسيا.

ولكن الفارق الشاسع بين الحالة الكردية والأحواز، هو أن الأخيرة تعاني من تظلمات وعمليات قمع واضطهاد قائمة عليها من قبل النظام الإيراني، والوضع في الأحواز مختلف عن إقليم كردستان العراق من حيث الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية، فالأحواز قومية مضطهدة قهرياً، وتعاني من عدم المساواة في كل شيء، وعلى الحكومة الإيرانية وقف عمليات الإعدام السياسي وجرائم التطهير العرقي ضد الأحوازيين، وهي جرائم حرب لا يجب الصمت حيالها، وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الوقوف ضد هذه الممارسات والتصدي لها، وإذا استمر هذا الوضع دون تقدم فشعب الأحواز من حقه أن يحمي نفسه بالإنفصال.

ما تداعيات هذه الحركات الانفصالية للأقليات على أمن الخليج العربي؟

التداعيات السلبية أمنياً واقتصادياً بسبب نزعة القوميات للاستقلال ستقع على جميع دول المنطقة ومنها دول الخليج، فأي اضطرابات من هذا النوع ستفضي إلى حروب وفوضى سياسية وأمنية محتملة في المنطقة المحيطة بمنطقة الخليج العربي، ومن تبعياتها المتوقعة هي محاولات ومساعي تصدير الفوضى من خلال تسلل الإرهابيين والسلاح عبر الحدود، وتصدير شتى أنواع المشكلات إلى دول الجوار، وهو المعتاد دائما في مثل هذا النوع من الصراعات.

أي من هذه الحركات قد يشكل دعمها من قبل دول المجلس مصلحة سياسية واستراتيجية له؟ وهل تؤيد ذلك؟

من المنطق أن نقول أن انفصال الأحواز سيضعف إيران وبالتالي نتخلص من خطرها القائم على دول المنطقة ومحاولة التدخل في شؤونها ومضاعفة نفوذها الخارجي، ولكن شخصياً لا أؤيد ذلك، لأن الأبرياء هم من سيدفعون الثمن، ولأن مبدئي في مسألة السلام والحرب يتجسد في بيت الشاعر أبو الفتح البستي "من سالمَ الناسَ يسلم من غوائلهم ... وعاشَ وهو قريرُ العين جذلانُ".

كمساعد رئيس تحرير الصحيفة الأولى في المملكة العربية السعودية، كيف نعرف الحرية والتعددية والتنوع؟ وكيف نوازن بين حرية الإعلام وبين الخطوط الحمراء التي لا يجب اجتيازها؟

بعيداً عن مسألة عملي في مؤسسة صحافية، مسألة الحرية في التعبير نسبية في كل بقاع الأرض، وتحكمها الأنظمة والقوانين من جهة والأعراف والتقاليد والموروثات الاجتماعية من جهة أخرى، بالإضافة إلى أنها بحاجة إلى ضبط يراعي القيم الدينية والمجتمعية وأن لا تكون على حساب الإساءة إلى الآخرين، هناك قيود متعددة لا مفر منها وهي قيود متغيرة يحكمها المكان والزمان، ولا زال مفهوم حرية التعبير موضع نقاش ومبحث شغل الفلاسفة والمفكرين والأدباء وجميع الأديان والمذاهب على مر العصور ولا يزال.

أما إذا تطرقنا إلى مسألة "التعددية" والدعوة إلى "التعايش مع الآخر"، فرأيي يكمن في السعي نحو فهم ومعرفة الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية التي تدفع نحو الاختلاف إلى درجة النزاع والخصومة التضاد الحاد في الآراء والأفكار التعبوية السلبية التي تؤدي إلى المزيد من الفرقة والتناحر وهو ما يؤدي إلى العكس تماماً من تقبل التعددية في المجتمع الواحد وعدم التعايش، والتعددية بحاجة إلى الانفتاح على الحوار مثل حوار الأديان، وأن تحكمها الأنظمة والقوانين لحماية الأمن والسلم الاجتماعي، كما نحتاج جميعاً في هذا العالم إلى المزيد من الوقت، فهناك متغيرات سهلت من الانفتاح على المجتمعات الأخرى مثل التطور التقني الذي حول العالم إلى قرية مصغرة مساهماً إحداث هذا النوع من التغيير وتقبل التعددية داخل المجتمعات.

الإجابة على الشق الثاني، لدينا نظام المطبوعات والنشر في السعودية ، وهو المرجع الأساس، ولائحته التنفيذية مرنة بما يكفي لخلق التوازن المنشود بين حرية الإعلام والخطوط الحمراء، ويجب أن نوضح أن هذه المسألة نسبية في كل دول العالم بلا استثناء، وتحكمها ضوابط ومتغيرات، ويجب ألا يتسبب أي طرح إعلامي بحجة حرية التعبير في الإساءة إلى الآخرين أو إحداث أي أضرار أو إخلال بالأمن والسلم الاجتماعي والفكري، فالغاية من الإعلام في نظري هي إثراء المعرفة في إطار إيجابي.