يبدو أن وتيرة تقسيم الشرق الأوسط تمضي متسارعة على قدم وساق، بحيث أصبحت الاوراق مكشوفة، وتساند ذلك الأمر منظمة الأمم المتحدة -للأسف الشديد على ما يبدو- ليس تطاولاً على هذا الكيان الأممي ولكن «اللبيب بالإشارة يفهم»، فكل الشواهد تدل على مساندة الأمم المتحدة لهذا التقسيم، والدور الذي تقوم به هذه المنظمة يكشف الوجه الآخر ويبين خلاف ما تدعو إليه من رؤية وأهداف.

خلال السنوات الماضية ومنذ إنشاء الأمم المتحدة كمنظمة يفترض أنها تقوم بدور حيادي تبتعد فيه عن التحزب لفئة أو مساندة فكر معين أو تقف مع حالة دون مراعاة الحالات الأخرى، الحياد في السعي لإرساء الأمن والاستقرار وحماية الشعوب ووقف الصرعات والحروب، تماماً كما جاء في رؤية ورسالة وأهداف منظمة الأمم المتحدة، فدولة فلسطين نموذج حي وواقع مرير على اغتصاب شعب لدولة كان لها كيان عظيم، إسرائيل والفكر الصهيوني اغتصبوا دولة فلسطين فوق ما يقارب 60 سنة ومازالت إسرائيل تقتل وتهجر أبناء فلسطين دون أن تتحرك الأمم المتحدة في موقف جاد وواضح لوقف هذا الظلم الجائر على أبناء الشعب الفلسطيني الذي مازالت حقوقه حتى هذه اللحظة تنتهك، بل كان دور الأمم المتحدة في سنة 1948 واضحاً في تقسيم الشرق الأوسط عندما صدر قرار من هيئة الأمم بتقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة عربية ودولة يهودية، وكان ذلك بمثابة الخطوة الأولى نحو تقسيم الشرق الأوسط وتنفيذ المخطط الصهيوني في الشرق الأوسط.

الصراعات والأزمات في الشرق الأوسط أخذت وتيرتها المتسارعة، بمساعدة النظام الإيراني الذي يدعمه الطابور الخامس لإسرائيل وتؤيده الجماعات الداعمة للإرهاب، صراعات وحروب لا يمكن حجبها في العراق وسوريا، وبحجم عدد الضحايا وما خلفته هذه الحروب من دمار شامل وفوضى، وقفت الأمم المتحدة تراقب وتستنكر وتقلق دون أن تفعل شيئاً أو تتدخل، فهي من سمحت بإقامة الحصار على الشعب العراقي ومن ثم غزو الجيش الأمريكي والبريطاني للعراق بحجج ليس لها جذور حقيقية، لتكون بذلك قد نفذت الوجه الآخر من التقسيم بعدما سيطرت إيران على العراق ومن قبلها على بلاد الأحواز، أما تقسيم العراق سوف يأخذ مراحله الجادة في الأيام المقبلة ومبادرات ذلك واضحة. وبالنسبة إلى صراخ سوريا واستنجادها بالأمم المتحدة، لم تأخذ حيز اهتمام هذه المنظمة ولم تهتم بوقف الظلم الواقع عليها، كم طفلاً قتل؟ كم عائلة هجرت؟ كم بيتاً هدم؟ كم امرأة لقيت حتفها؟ الشعب السوري تعرض لكثير من الويلات، لا تعد ولا تحصى، ومع ذلك لم تقف الأمم المتحدة بجانبه، ولم تنصفه، ولم تبادر بصدق لوقف الجرائم التي ترتكب بحق شعب أعزل، لا حول له ولا قوة، ولكن «اللي قدرت عليه» هو إدراج التحالف العربي باليمن على القائمة السوداء، والجميع يعلم بأن ما يقوم به التحالف هو وقف لممارسات الجماعة الحوثية المتمردة من إرهاب على الشعب اليمني وعلى الشرعية اليمنية.

الأمم المتحدة التمست قوة وحزم التحالف العربي باليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، والتمست أيضاً مساعي المملكة لاجتثاث الإرهاب والدور البارز لإنهاء الصراعات في المنطقة، وهذا ما لا تتمناه كثير من الدول التي تستعد لتقسيم المنطقة، لذلك هي تتجه نحو الدول الداعية للاستقرار لأنها تعتبر دولاً تعرقل مسيرة التقسيم في منطقتنا، بعدما تبين لها بأن القوة العربية والإسلامية التي تقودها المملكة العربية السعودية جادة في حماية الشعوب التي تعاني من التطرف والإرهاب بغية من المنظمة استمرار الصراع واستمرار الانقسامات داخل الوطن العربي، حتى يأتي بعد ذلك اليوم كما حدث في فلسطين لتقسيم الدول إلى دويلات، وهذا طموح لم يغب يوماً عن الفكر الصهيوني، ولا عزاء للعرب بعد هذا التقسيم الجديد للشرق الأوسط.

إن سكوت منظمة الأمم المتحدة على بعض الممارسات التي تقوم بها بعض الدول في خلق الصراعات دليل على وجود يد جائرة من أجل شرق أوسط جديد، وهذا ما تكشفه من مغالطات واضحة في تقرير الأمم المتحدة بشأن التحالف العربي في اليمن.