تواجه أغلب دول العالم ضغوطاً متزايدة في مجال تأمين مصادر الطاقة، خاصة بعد التوقعات المرجحة حول ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 35% بحلول عام 2035، وذلك بحسب «إحصائية صادرة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، حيث أصبح اعتماد العديد من الدول على استخدام الطاقة النووية ودمجها ضمن مصادر أخرى من الطاقة أمراً ملحاً، وذلك من خلال اللجوء إلى المفاعلات النووية الصغيرة التي تنتج ما يقارب 300 ميغاواط كهربائي، وبحسب تعريف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. حيث استحوذ هذا النوع من المفاعلات على اهتمام الكثير من الشركات المصنعة للمفاعلات النووية، وذلك لانخفاض الكلف الاستثمارية لهذه المفاعلات، وقلة المخاطر الإشعاعية مقارنة مع المفاعلات الكبيرة «التقليدية»، إضافة إلى ارتفاع معايير السلامة والأمان النووي فيها، فضلاً عن ما تخلفه من نفايات مشعة بشكل محدود جداً، كما تتميز ببساطة تصميمها، وسهولة توصيلها مع شبكات الربط الكهربائي، ومرونة توزيعها جغرافياً في مختلف المواقع وحتى النائية منها. تستعد بريطانيا حالياً لدعم قطاع الطاقة بالمفاعلات «الصغيرة» للمساعدة للحيلولة دون نقص الكهرباء، بالتوازي مع إيقاف تشغيل محطات الطاقة النووية القديمة. حيث ستساعد المفاعلات النووية الصغيرة في حل أزمة الطاقة في بريطانيا وخفض تكاليف الاستهلاك. ومن المتوقع أن توفر هذه التكنولوجيا الجديدة الطاقة الكهربائية بأسعار أرخص بمعدل الثلث من المفاعلات التقليدية العملاقة الموجودة في محطة هينكلي في سومرست. حيث عقد رواد صناعة الطاقة في العالم مثل شركات «رولز رويس، ونوسكيل، وهيتاشي وستنغهاوس» اجتماعات مكثفة في الأسابيع الماضية مع ممثلي الحكومة البريطانية حول الاستراتيجية النووية البريطانية وتطوير «المفاعلات الصغيرة «SMRs». ويشير تقرير نشرته شركة رولز-رويس في وستمنستر الأسبوع الماضي إلى أن تحالفها يمكن أن يولد الكهرباء بسعر «الالتزام»، حيث يمكن للمنتجين تقاضي السعر المضمون 60 جنيهاً إسترلينياً لكل ميغاواط/ ساعة، أي ثلثي إنتاج المحطات النووية الكبيرة الحديثة.

وتمثل هذه المفاعلات النووية الصغيرة جزءاً صغيراً من حجم وكلفة المحطات النووية التقليدية والتي يتم تخصيص التمويل لها بما يقارب 250 مليون جنيه إسترليني والتي تعهدت الحكومة البريطانية بتقديمها لتطوير «تكنولوجيات نووية مبتكرة». ومن المأمول أن يتم إنتاج أسطول من هذه المفاعلات الصغيرة الأرخص ثمناً لضمان إمدادات الطاقة في بريطانيا، مع مزيد من الطموحات لتصدير التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع أن تكون المفاعلات الصغيرة قادرة على توليد ما بين 200 ميغاوات و450 ميغاوات من الطاقة، مقارنة مع 3.2 غيغاوات مستحقة من محطة هينكلي، وهذا يعني أن المزيد منها سيكون مطلوباً لتلبية احتياجات بريطانيا من الطاقة مستقبلاً.

الجدير بالذكر أن دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات قامت بخطوة استراتيجية في استخدام المحطات النووية الكبيرة كأحد المصادر البديلة للطاقة، حيث من المقرر أن يتم تشغيل محطة بركة في الإمارات في عام 2018 التي ستنتج 5.6 غيغاواط من 4 مفاعلات، فيما ستنتج السعودية 17 ميغاواط من 16 مفاعلاً في المستقبل.

هذا التطور التقني العالمي الجديد في مجال المفاعلات النووية الصغيرة سيدفع دولنا للتفكير الجدي في جدوى المفاعلات النووية الصغيرة لإضافتها إلى البنى التحتية للطاقة لتكون عضيداً إلى المحطات الكبرى في المستقبل بعد انتهاء العمر الافتراضي لها.

في ظل هذا التوجه العالمي الجديد نحو المفاعلات النووية الصغيرة التي يمكن أن تطلق ثورة في عالم التقنيات النووية، فنحن بحاجة إلى استثمار وتأهيل الخبرات الوطنية في مجال الطاقة من الآن لمواكبة تطورات الطاقة في العالم.

* خبير دولي في سياسات الطاقة النووية