تمثل حرب أكتوبر ونصرها المجيد علامة فارقة في التاريخ المصري الحديث وذلك لعدة أسباب:

أولها، أنها كانت بداية الانطلاقة لتحرير الأرض المصرية في سيناء ذات الأهمية التاريخية والاستراتيجية والدينية، فقد ارتبط تاريخ سيناء بتاريخ مصر العريق، ومر عبر سيناء عدد من أنبياء الله، وشهدت سيناء الفتح الإسلامي. كما شهدت تحرير التراب المصري أكثر من مرة ولعل من بينها مطاردة احمس للهكسوس ثم تحرير مصر وفلسطين وسوريا من الاحتلال العثماني في عهد محمد علي وحروبه. وارتباط مصر ببلاد الشام مرتبط بالدور المصري عبر العصور بمحاربة هولاكو والتتار ومحاربة الصليبيين بقيادة عدد من حكام مصر البارزين ومن بينهم صلاح الدين.

ثانيها، أن مصر دولة لا تعرف الخوف مهما واجهها من تحديات وجيشها وشعبها وحدة واحدة عبر العصور، ولهذا كان تحرك الجيش المصري مدعوماً من الشعب في حرب أكتوبر المجيدة في العاشر من شهر رمضان المبارك آنذاك، فحقق الله لمصر وجيشها الانتصار تأكيداً لوعده تعالى «وكان حقاً علينا نصر المؤمنين». وأول معالم الإيمان هو الإيمان بالوطن وهو يلي الإيمان بالله سبحانه وتعالى الذي أقسم بالوطن وحبه تأكيداً لمكانة الأوطان في الإسلام كما جاء في كثير من الآيات ومن أقوال النبي محمد عليه الصلاة والسلام وفي سورة البلد.

ثالثها، أن هذه الحرب أعادت لمصر وشعبها وجيشها ثقتهم في الذات، وأن هزيمة 1967 كانت لحظة عابرة في تاريخها.

رابعها، أن الحرب أكدت الروح العربية الأصيلة بموقف أهم الدول العربية والإسلامية والدول المحبة للسلام مع مصر. ونخص بالذكر قرار الراحل العظيم الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، باستخدام النفط سلاحاً في المعركة لأول مرة في التاريخ العربي.

وفي كتابي الصادر في ثمانينات القرن الماضي من الهيئة المصرية للكتاب والذي قمت بتأليفه بالاشتراك مع الدكتور المستشار مجدي المتولي نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان «أثر حرب أكتوبر في السياسة العامة وعلاقات مصر الدولية» لخصت أهم الدروس المستفادة من تلك الحرب كالآتي:

الأول، أن مصر وجيشها وشعبها ومختلف القوى السياسية بها توحدت على قلب رجل واحد للدفاع عن أرض الوطن واستعادتها.

الثاني، أن شعب مصر يرفض الضيم ولا يرضى سوى بالنصر بديلاً وتحقق النصر بفضل سواعد قواتنا المسلحة والدور الذي قام به مهندسون تم الاستفادة منهم في التوصل لسلاح سري بتدمير ما عرف باسم خط بارليف الذي مثل سداً ترابياً منيعاً، ولكن العبقرية تجلت في المهندسين المصريين من داخل وخارج القوات المسلحة، حيث جعلت المصري يتوصل لذلك السلاح البسيط ولكنه كان بالغ الأهمية في الحرب.

الثالث، هو انطلاق مصر بعد نصر أكتوبر لتحرير باقي أرضها في عملية السلام إيمانا منها بأن للحرب أهدافها ودورها ولكنها لن تنهي الصراع، فأي حرب لا بد أن تنتهي بالسلام، ومن هنا كانت مبادرات الرئيس الراحل أنور السادات قائد معركة أكتوبر من أجل السلام الشامل في إطار استراتيجي، وهو الذي أذهل الكثير من المراقبين، سواء في استراتيجيته لتحقيق نصر أكتوبر أو استراتيجيته لتحرير باقي الأراضي المحتلة، والتوصل لمعاهدة سلام، أعادت باقي التراب المصري، ووضعت أسس السلام العربي الإسرائيلي وسابقة في استعادة كافة الأراضي العربية المحتلة كما جاء في اتفاقيات كامب ديفيد، ولكن بعض قصيري النظر عاشوا في أوهام الشعارات خداعاً لأنفسهم ولشعوبهم فظلت أراضيهم تحت الاحتلال حتى يومنا هذا، بل أضاعوا شعوبهم كما نرى في هذه الأيام تكالب الجيران. ولو ساروا تحت قيادة مصر وابتعدوا عن الشعارات لكانت لدينا اليوم دولة فلسطينية مستقلة.

الرابع، أن مصر وشعبها وجيشها هم الحماة الحقيقيون للأمن العربي.

الخامس، هو إثبات ضرورة بناء المواطن المصري وإعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة 1967، وأن الإرادة المصرية الحقة هي التي قادت للنصر. وقد شعر كل مصري وكل عربي بكرامته في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية.

السادس، هو أهمية مواصلة مسيرة مصر كأحد قادة الأمة العربية بفضل مركزها العربي. ونقول لمن لا يعرف تاريخ مصر وشعبها وعراقتها كفى عبثاً بالدين وكفى عبثاً بحقوق الإنسان المكذوبة والتي تم فضح أعمالكم ضد مصر وكراهيتكم لإسلامكم ولعروبتكم ولكن مصر موطن الأزهر والكنيسة القبطية وأن وحدة الدين من حيث القيم والمبادئ تجعل أبناء الوطن المصري إخوة، فتحية لأبطال أكتوبر ولجنوده المعروفين وغير المعروفين من أبناء مصر ومواطنيها الشرفاء في هذه المناسبة الطيبة والذكرى العطرة.

* مساعد وزير الخارجية المصري سابقاً