زهراء حبيب:

تصاعدت في الفترة الأخيرة حوادث العنف الأسري سواء كانت الضحية الزوجة أم المطلقة أو الأبناء، وقد زهقت أرواح بريئة آثر تعرضها لأبشع أنواع العنف على يد أقرب الناس وهم الوالدين.

ومن الحوادث التي هزت الرأي العام المحلي قصة زهراء صبحي سيدة سورية الجنسية تزوجت من رجل بحريني، وأنجبت منه 5 أبناء لكن علاقتهما الزوجية انتهت بالطلاق، وانقسم المنزل مناصفته بينهما، وكانت تتعرض للعنف الأسري على يد طليقها والد أبنائها، وقدمت ضده نحو 11 بلاغاً لدى مركز الشرطة.


وفي آخر واقعة عنف تعرضت لها زهراء صبحي، حطم طليقها قطعة سيراميك على رأسها، وضربها بعنف حتى غير ملامح وجهها، وأصيبت بنزيف داخلي بالرأس، وتورم بالعين بالكاد تفتح عينها، وبعد مكوثها بالمسشفى لمدة 25 يوماً استطاعت احتضان أطفالها الخمسة في دار الأمان، بعد أن تبنى المجلس الأعلى للمرأة قضيتها.

وأدين طليق زهراء على تلك الحادثة بالحبس لمدة سنة مع النفاذ، ولم يرتضى العقوبة الصادرة بحقه فطعن عليه أمام المحكمة الاستئنافية التي من المقرر أن تنظرها في جلسة 5 نوفمبر المقبل.

ثم جاءت واقعة لسيدة بحرينية من أصول آسيوية وأم لأربعة أبناء، اعتدى عليها طليقها بحريني، بالضرب المبرح بعد أن اصطدم بسيارتها عمداً خلال اصطحابها لابنتها من المدرسة للمنزل في محافظة المحرق، وقد أمرت النيابة العامة بحبسه أسبوع على ذمة التحقيق بتهمة الاعتداء على سلامة جسم طليقته.

وقبلها فصل القضاء البحريني بقضية أب وزوجته عرضا طفل ذو 3 أشهر للعنف والإهمال حتى الوفاة، بسجن الأب 7 سنوات وسنة لزوجة الأب.

فيما تنظر المحكمة الكبرى الجنائية قضية الطفلة "زهراء" التي توفت جراء تعرضها للعنف أدى لحدوث نزيف بالبطن، وأظهر جسدها أثار للحرق والضرب، واتهم فيها الأب وزوجة الأب.

تلك الوقائع المأساوية تثير التساؤلات عن مدى فعالية قانون الحماية من العنف الآسري في ردع مرتكبي تلك الأفعال، ومدى تطبيقه على أرض الواقع.

القانون قيد التنفيذ

وتقول المحامية هدى المهزع لـ الوطن بأن القانون له أبعاد إيجابية على المجتمع والأسرة البحرينية، ولكن ليكتمل النفع المرجو منه، يجب العمل على وضعه قيد التنفيذ، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال اصدار قرارات وزارية ولوائح تنظيمية من الوزير المختص والمعنى بهذا القانون .

وتؤكد المهزع بأنه يجب وبالتوازي مع تطبيق القانون على أرض الواقع، أن يتم التعريف به وتقديم مجموعة من ورش العمل للمعنيين بتطبيق القانون، والإجراءات الواجب اتباعها عند حدوث حالات عنف ضد أفراد الأسرة، سواء من المعتدى عليهم، أو ممن يتصل علمهم بحالات العنف الأسرى، خاصةً ان القانون قد توسع في مادته رقم (1) بشأن الأشخاص المعنين بهذا القانون وانه شملهم بأمر الحماية فقد عرف المشرع في المادة رقم (1) قانون العنف الأسرى وأنواعه على أنه كل فعل من افعال الإيذاء يقع داخل نطاق الأسرة من قبل أحد أفرادها "المعتدى" ضد اخر فيها وهو "المعتدى عليه".

القانون بحاجة لآليات التنفيذ

وبين هذا القانون الجهات المعنية لإنفاذه، وعلى هذا لن يكون القانون فاعلاً ومؤثراً إلا إذا وجدت الآليات واللوائح التنظيمية والمذكرات التفسيرية وأيضاً اذا توافرت الخدمات القانونية المساندة التي تضمن حقوق المتقاضين.

أمر الحماية ومدته بحاجة لتعديل

وتشير المهزع بأنه من المعروف بأن نصوص القانون التي تصدر عن المشرع هي نصوص عامة ومجرده لتطبق على العموم، و من ثم ونحن في مجال قانون الحماية من العنف الأسرى رقم (17) لسنة 2015 نجد أن الكثير من نصوصه واضحة الدلالة وتطبق بذاتها ولكن أيضاً هناك الكثير من النصوص في هذا القانون يلزمها إعادة الصياغة والتعديل كما في المادة (15) من ذات القانون في شأن أمر الحماية ومدته.

إدارة للإرشاد الأسري

وهناك نصوص تحتاج الى اصدار قرارات و لوائح تنظيمية تصدر من الوزير المختص لتفعيلها والعمل بها، فعلى سبيل المثال لا الحصر مادة رقم (2 ) من القانون المشار إليه ورد بها "إنه تنشأ بالوزارة إدارة تسمى الإرشاد الأسرى تعمل على تقديم خدمات الإرشاد الأسرى والتوعية في مجال العنف الأسرى وأنه يتبعها عدد من المراكز أو مكاتب الإرشاد الأسرى" – وبالقطع مثل هذا النص يحتاج إلى تدخل الوزير المختص بإنشاء هذه الإدارة التي أشار إليها النص القانوني والمراكز التابعة لها وتحديد الخدمات والإرشاد الأسرى والتطوعية في مجال العنف ويحدد القائمين بذلك واختصاص كل منهم ليتحقق الهدف من النص.

وسمح القانون في المادة "4" منه للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين بفتح مراكز خاصة للإرشاد الأسرى بشرط الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة، وفقاً للاشتراطات و الإجراءات التي يصدر بها قرار من الوزير، ويجب توضيح آليات إنشاء هذه المراكز والرقابة عليها ووضع سياسات عامة لمبادئ عملها ومراقبتها بشكل صارم.

والمادة "3" من القانون أشارت إلى أنه يصدر الوزير القرارات والأحكام التي تنظم شروط تراخيص المراكز الخاصة.

أيضاً ما جاء بالمادة "5" من ذات القانون التي عنت باختصاص الأجهزة الفنية المختصة بالوزارة للقيام بالتفتيش على المراكز الأهلية الخاصة بالإرشاد الأسرى التي يلزم لها إصدار القرارات من الوزير المختص لتحديد الشروط والمعايير والأهداف التي يقومون بالتفتيش عليها.

تعاون العدل والعمل

ولفتت المهزع بأنه من أهم القرارات الوزارية التي يجب ان تصدر من وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف وبالاتفاق مع وزير العمل والتنمية الاجتماعية لتفعيل التطبيق الأمثل لهذا القانون، وهو تخويل بعض الأجهزة الفنية بوزارة العمل ومنحها صفة مأمور الضبط القضائي وذلك لسرعة ضبط حالات العنف الأسرى والتحقيق فيها، واتخاذ الإجراءات المناسبة بالسرعة الممكنة لأهميتها خاصةً إن هذه الفئة هم أولى بالرعاية والتأخير في ضبط مثل هذه الحالات المتعلقة بالعنف الأسرى من الممكن أن تؤدي إلى كارثة في محيط الأسرة والمجتمع لا يمكن تداركها ووضع قائمة بأسماء الأشخاص ذوو صفة الضبط القضائي ليكونوا معلومين لدى المراكز المتخصصة والمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالأمر.

قتل الشرف

وفيما يتعلق بالآليات المساندة لهذا القانون فهي تتلخص في التوعية والتثقيف للمجتمع عن العنف الأسرى للوقوف أمامه بشتى أشكاله وأنواعه، وتوفير الأماكن المخصصة في محاكم الأسرة للمحافظة على خصوصية الأسرة وأيضاً دور الايواء ومراكز الشرطة واعتماد السرية نظراً لخصوصية الأسرة حتى قبل إصدار هذا القانون.

وتشير إلى أن تعريف بالعنف الأسري هو: استخدام القوة المادية أو المعنوية لإلحاق الأذى بآخر استخداماً غير مشروعٍ، وأن العنف الأسري يشمل عنف الزوج تجاه زوجته، وعنف الزوجة تجاه زوجها، وعنف الوالدين تجاه الأولاد وبالعكس، كما أنه يشمل العنف الجسدي والجنسي واللفظي وبالتهديد، والعنف الاجتماعي والفكري، وأخطر أنواعه ما يسمى بـ"قتل الشرف".

ولخصت المهزع أسباب العنف الأسري في ضعف الوازع الديني وسوء الفهم، سوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة، غياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة، وكذلك سوء الاختيار وعدم التناسب بين الزوجين في مختلف الجوانب بما فيها الفكرية، والظروف المعيشة الصعبة كالفقر والبطالة.

وللعنف الأسري أنواع كثيرة منه ، المادي المحسوس والملموس النتائج، الواضح على الضحية، ومنه المعنوي الذي لا نجد آثاره في بادئ الأمر على هيئة الضحية، لأنه لا يترك أثراً واضحاً على الجسد وإنما آثاره تكون في النفس.

ومن أبشع أنواع العنف، وأشدها قسوة وهو القتل، ولعل معظمها يكون دفاعاً عن الشرف،الاعتداءات الجنسية،العنف المعنوي والحسي، بالاضافة إلى الإيذاء اللفظي وهو كل ما يؤذي مشاعر الضحية من شتم وسب أو أي كلام يحمل التجريح، أو وصف الضحية بصفات مزرية مما يشعرها بالامتهان أو الانتقاص من قدرها.

الحبس المنزلي للفتيات والطرد للذكور

ومن أنواع العنف الأسري الحبس المنزلي أو انتقاص الحرية، وهو أمر مرفوض كلية لأن فيه نوع من أنواع الاستعباد، وقد يشيع لدى بعض الأسر وذلك اتقاء لشر الضحية لأنه قد بدر منه سلوك مشين في نظر من يمارس العنف. وربما هذا النوع من العنف المعنوي يمارس ضد النساء والفتيات، حتى وإن لم تكن هناك أسباب داعية لممارسته

ويمارس الطرد من المنزل ضد الذكور وذلك لاعتبارات اجتماعية تميز المجتمعات العربية عن غيرها، وهذا النوع من العنف يعد الطلقة الأخيرة التي يستخدمها الأبوان عند عدم التمكن من تهذيب سلوك الابن الضحية.