كثيراً ما نشتاق للسير في الأحياء القديمة، حيث الشوارع الضيقة والمساكن المتقابلة، ونستمتع برؤية تصميم المباني التقليدية لنرتوي من رائحة التاريخ المنعشة، والتي تحكي قصة إبداعات جيل مضى في الفن المعماري، نعم للماضي، جمال لا يضاهى، ذلك لأنه يحمل في ثناياه تاريخ وحضارة الأولين، ولكن في السنوات الأخيرة تحول العديد من الأحياء إلى أحياء قديمة إلا أن هذه الأحياء لم تحافظ على هويتها المعمارية، فعندما تتجول في مثل هذه الأحياء تجد أن غالبية منازلها قد حول الطابق السفلي إلى محلات تجارية، والطوابق العلوية إلى شقق سكنية صغيرة جداً تؤجر غالبيتها إلى المقيمين من جاليات مختلفة، فتبحث عن معالم الفن المعماري لتلك الفترة فتكتشف أنه قد هاجر بلا عودة، وتُركت رسالة واحدة على جميع الجدران، وهي أن هذا الحي للإيجار، فإن أردت أن تستمتع بالسير في تلك الطرقات التي بين المباني فلا مجال لك فطرقاتها تكتظ بالسيارات المصفوفة على الجانبين والمرصوصة واحدة تلو الأخرى في كل ساحة، وعلى كل رصيف، وفي كل الزاوية، ولا تستغرب أن تجد أصحاب السيارات يتنافسون ويتسابقون، للحصول على مكان يوقفون فيه السيارة، ولا تستبعد أن ترى شجاراً قد دب بين اثنين في سبيل الحصول على موقف للسيارة، أو تجد شخصا يجول بالسيارة في الشارع ذهاباً وإياباً مرات عديدة باحثا عن موقف لسيارته وتراه وقد استشاط غضباً ونفد صبره قائلا «لم يبق لنا مكان في الحي»، ولا تستنكر أن ترى سيدة أو شيخا كبيراً اضطروا لتوقف سياراتهم بعيدا عن المنزل فتراهم يسيرون مسافة طويلة وهم يحملون أكياس المشتريات الثقيلة ويتذكرون أيام زمان عندما كانوا يوقفون السيارة أمام سور منزلهم، ولا لوم عليهم إن سمعتهم يقولون «ما نقدر نعيش في ها الفريج»، أو تجد أحد الباحثين عن موقف سيارة يتحدث في الهاتف قائلاً: «جدتي أنا آسف جئت لزيارتك لكن لم أجد مكاناً لأوقف السيارة فأنا مضطر للعودة من حيث أتيت»، والجميع يتساءل، لماذا كل هذا العدد من السيارات ولم كل هذا الازدحام، حتى إنك لتظن أن ساعة الحشر قد حانت وقد حشر الناس مع سياراتهم، تتساءل مندهشا، هل هناك حاجة لهذا العدد من السيارات، ولكنك ستجد الجواب سريعاً أن كل أسرة مضطرة رغماً عنها لاقتناء سيارتين على الأقل.

نعم... معظم سكان أهل الحي قد رحلوا إلى أماكن أخرى، ولم يبق منهم إلا القيل الذين لا زالوا يتمسكون ببيتهم الكبير، الذي يحمل ذكريات أجمل سنوات مرت في حياتهم وقد تحول هذا البيت إلى «البيت العود»، وهو البيت الذي يجتمع فيه الأبناء والأحفاد نهاية كل أسبوع، وستجد غالبية من يسكن هذا الحي من الجاليات الذين اعتادوا على استخدام النقل الجماعي في الدول الأخرى التي عاشوا فيها مسبقاً، إلا أنهم يضطرون لاقتناء السيارات في البحرين، مع أن تكلفة شراء السيارة كبيرة بالنسبة لرواتبهم، كما أن متطلبات السيارة تكلف الكثير من المال، فرسوم تسجيل السيارة، والتأمين عليها، صيانتها، وكلفة البترول وغيرها تكلف مبالغ كبيرة وتستقطع الكثير من دخل هذا الأجنبي الذي جاء للبحرين في سبيل توفير المال.

تلك مشكلة يعاني منها الطرفين سكان «البيت العود» وأبناءهم وأحفادهم، والسكان الأجانب المقيمين في البحرين، فهم يرون أن اقتناء السيارة أمر لابد منه، ولا خيار أمامهم سواه، فهي أرخص وأنسب وسيلة نقل متاحة أمامهم، وإن أردت حل المشكلة فخذ الحل من أفواه أصحابها فالحاجة أم الاختراع، فجميعهم يؤكدون على أن الحل في النقل الجماعي، وفي توفير سيارات أجرة بسعر معقول، فلابد من التشجيع على استخدام وسائل النقل الجماعي، فالباصات الحمراء التي تجوب الشوارع نجد أن غالبية مقاعدها غير مشغولة، ونتساءل، لماذا لا يستخدم الناس تلك الباصات فالباصات مريحة ومكيفة وتتمتع بإمكانيات عالية ففيها وسائل مريحة للمعاقين من منصات لتصعيد الكراسي المتحركة أو كراسي خاصة للمعاقين والمسنين، هنا ندرك أن المشكلة في مدى كفاية شبكة المواصلات للنقل الجماعي ومدى توفيرها لحاجة الناس، فهي شبكة محدودة مما يضطر مستخدمي هذه الباصات للسير مسافات طويلة للوصول لأقرب محطة. وما أدراك ماذا يعني السير في الشوارع، فلا أرصفة كافية، ولا أماكن عبور آمنة، بات تفعيل وتوفير النقل الجماعي حاجة ماسة للجميع، فهو مطلب للمواطنين والمقيمين على السواء، وحل آخر لتلك المشكلة هو توفير سيارات الأجرة لتقدم خدمة التوصيل بسعر معقول فكلفة تأجير سيارات الأجرة عالية، فمن غير المجدي للسكان والمقيمين الاعتماد عليها كوسيلة مواصلات فهي مكلفة وقد تفوق كلفة استخدامها خلال فترة بسيطة كلفة شراء سيارة! كم نتمنى أن تستثمر جزءاً من الأموال التي تستقطع منا لدعم العاطلين كرأس مال لشركة سيارات أجرة يوظف فيها العاطلين كسواق وتكون تعرفة نقل الراكب مخفضة، تلك حلول مقترحة، ويبقى السؤال من يعلق الجرس في رقبة القط؟