أولئك الذين عاشوا في «فريج» المخارقة القريب من سوق المنامة القديم في النصف الثاني من القرن الماضي - وأنا أحدهم - لا بد أنهم يتذكرون كيف كان التنوع الديني وكيف أنه كان نعمة حبا بها الله سبحانه وتعالى شعب البحرين وكل من اختار العيش في هذه البلاد، ولابد أنهم يتذكرون كيف كان الناس يعيشون وسط كم الاختلاف الذي كان بينهم والذي كان أبرزه اختلاف الأديان والمذاهب وتعدد الأصول والقوميات. باختصار كان الجميع يحترم الجميع، وكان ما يشغل الجميع هو العطاء والتسابق في خدمة الوطن وخدمة الناس، وكأنهم كانوا يترقبون حالاً كالتي صار فيها الناس اليوم في كثير من البلدان ويوفروا المثال الذي يعين على القول بأن الاختلاف بين البشر في كل شيء نعمة ولا يمكن أبداً أن يكون نقمة وأن على الناس أن يستفيدوا من هذا الاختلاف بدل أن يستغله الأشرار لتحقيق مصالحهم وتخريب كل جميل.

في ذلك «الفريج» كانت تتوفر إلى جانب مساجد أهل السنة والجماعة ومساجد الشيعة والحسينيات كنيسة «القلب المقدس» ويتوفر كنيس لليهود وأماكن عبادة أخرى يمارس فيها أصحاب الديانات الأخرى طقوسهم. ليس هذا فحسب، ولكن كان الناس، إضافة إلى احترام بعضهم لبعض واحترام الجميع لأديان ومذاهب الجميع كانوا يتواصلون مع بعضهم في مختلف المناسبات، فلم يكن غريباً مثلاً وقوف الداخلين إلى الكنيسة أو الخارجين منها عند مضيف حسيني ليشربوا «الفيمتو» أو الماء أو يتناولوا شيئاً من الأطعمة المتوفرة، ولم يكن غريباً أبدا حضور الجميع مراسم عاشوراء بل والمساهمة في إحياء العديد من المناسبات التي تخص هذه الفئة أو تلك، بطريقة أو بأخرى.

كل هذا كان في البحرين، فالبحرين بلد التنوع وبلد التسامح وقبول الآخر بغض النظر عن دينه ومذهبه وجنسه ولونه وأصله وفصله، وقد ظلت مثالاً، ولا تزال هي كذلك، ولا يزال الناس فيها أيضاً كذلك، رغم كل المتغيرات حولها وتأثر الكثيرين بها، ورغم كل الاعتداءات التي يراها الناس اليوم على مختلف القيم والمبادئ. ولهذا اهتم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بالتأكيد في المقال الذي نشره في صحيفة «واشنطن تايمز» بالتأكيد على أن «التنوع الديني بالمملكة نعمة لشعب يستند لتراث عريق من التسامح» وبيان أن أحد أهداف تأسيس «مركز الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي» هو توفير الحماية القانونية التي تضمن لكل شخص حقه في العبادة من دون عوائق، وحقه في بناء بيوت العبادة.

هذا يعني أن صاحب الجلالة ينظر إلى البعيد، وإلى يوم غير معلوم كيف سيكون الناس فيه وما الذي حققه السيئون والكارهون للتسامح والعيش الكريم بين البشر من «انتصارات» على الخير وأهله، وأنه لهذا رأى جلالته أن يتم العمل على توفير الإطار الذي يصعب على أولئك اختراقه، وتحصينه بالقانون الذي يضمن للجميع من دون استثناء الظروف التي تعينهم على التعبد كلا بطريقته. وعبر جلالته عن هذه الرؤية بقوله «العالم سيكون أكثر أمناً وازدهاراً إذا تعلم كيف يستوعب التمايزات بين الأفراد باعتبارها عنصر دعم وقوة وتكامل بين الناس وبعضهم البعض، وليس كما يراها شرذمة قليلون باعتبارها عنصر ضعف وهوان»، وأنه لهذا «لا ينبغي النظر إلى الحرية الدينية باعتبارها مشكلة، بل حلاً حقيقياً جداً للعديد من أكبر التحديات التي تواجه عالمنا، وخصوصاً الإرهاب الذي لا يعرف الدين، ويهدد جميع الشعوب المحبة للسلام». مختصر رسالة حضرة صاحب الجلالة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، في ذلك المقال وخارجه هي أن البحرين كانت نموذجاً في التسامح الديني، وستظل كذلك.