سنغافورة هي عصب حركة الملاحة البحرية الدولية وأحد شرايين الاقتصاد العالمي بحكم موقعها الجغرافي المميز والخدمات التي تقدمها للزائرين والمستثمرين رغم أنها لا تملك أية موارد طبيعية، وهي السباقة في استخدام التقنيات الحديثة للربط بين الوزارات والمؤسسات ولتقديم خدمات ذات جودة عالية للجمهور.

سنغافورة دولةٌ مساحتها 719.9 كيلومتر مربع أي أصغر من مساحة البحرين، وعدد سكانها أكثر من 6.5 مليون نسمة، ومتوسط دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي 52960.7 دولار أمريكي وفقاً للبنك الدولي، ونسبة البطالة 1.2% وفقاً لوزارة القوى العاملة السنغافورية.

وقد قمت مؤخراً بزيارتي الثالثة إلى سنغافورة والأولى منذ عام 2003. وقد تزامنت زيارتي مع عدة أحداث لعل من أبرزها: انتخاب حليمة بنت يعقوب رئيسة لسنغافورة لتصبح أول إمرأة تتولى الرئاسة وأول شخصية مسلمة تتولى هذا المنصب منذ وفاة الرئيس الأسبق يوسف بن إسحاق في عام 1970، وزيارة رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ إلى الصين، وإقامة السباق السنوي للفورمولا 1، علماً بأنه الأول من نوعه الذي يقام ليلاً وهو من السباقات التي تقام في الطرق إلى جانب سباقي مونتي كارلو وباكو.

وقد لاحظتُ أن هناك تغييرات كثيرة حصلت في سنغافورة سأبرز بعضاً منها. فقد تم تطوير منطقة «Marina Bay»، بإنشاء فندق ذي تصميمٍ غريب، وعجلة دوارة «Singapore Flyer»، وحديقة كبيرة صممت بفنٍ واحترافية. كما تم تطوير جانب كبير من جزيرة سنتوزا عبر مجموعة جنتينغ الماليزية وهي ذات الشركة التي أقامت مشروع «Genting Highlands»، بالقرب من كوالالمبور، وقد اشتملت عملية التطوير إنشاء الفنادق والمحلات بالإضافة إلى حديقة «Universal Studios». وتعمل الجهات المختصة في سنغافورة على تطوير منطقة منداي التي تحتضن حديقة الحيوانات - وهي من أفضل حدائق الحيوانات في العالم - وحديقتي السفاري الليلي وسفاري النهر، حيث سيتم نقل حديقة الطيور من منطقة جورونغ - التي باتت منطقةً صناعية - إلى منداي وكذلك إنشاء حديقة سفاري للغابات الاستوائية.

ومن الأمور الأخرى التي لاحظتها خلو الطرق من عربات «التريشاو» المعروفة، وقد اتضح لي لاحقاً بأن السلطات السنغافورية وضعت ضوابط لاستخدام تلك العربات بحيث تستخدم فقط في الأحياء القديمة التي صنفت كمواقع جذبٍ سياحي. وتقوم السلطات السنغافورية باتخاذ إجراءات حازمة بهدف تنظيم عملية السير ومنع الاختناقات المرورية والحفاظ على البيئة ونظافة الطرق والمنشآت، فهي تضخ مبالغ كبيرة لتوسيع شبكات الطرق وتطوير خدمات القطارات والحافلات وإنشاء الأنفاق الطويلة ليتيسر للمواطنين والزائرين التنقل في أرجاء الجزيرة. وفي المقابل، تفرض السلطات هناك ضرائب على مالكي السيارات. فعلى سبيل المثال، إذا قام مواطنٌ سنغافوري بشراء سيارة، فإن الدولة تفرض عليه ضريبة تساوي 180 % من قيمة السيارة بالإضافة إلى دفع مبلغ يتجاوز 13000 دينار بحريني للحصول على شهادة ملكية. والعجيب في الأمر أن أغلب السنغافوريين لا يتذمرون من سياسات حكومتهم، والشعب السنغافوري معروفٌ بالانضباط واحترام القوانين.

في سنغافورة، لا يوجد أحدٌ فوق القانون، ولا توجد فيها سياسات ترضية تفتك بأحلام الناس وتطلعاتهم أو تمس أمن الدولة وهيبتها. وقد يستغرب القارئ الكريم إن قلت إن سنغافورة تعد من أكثر الدول ديمقراطيةً في العالم. فالديمقراطية المثالية لها ثلاثة أركان: الحرية المسؤولة، والعدالة كما وضحتها الشريعة الربانية، والأمن والسكينة. وقد يتساءل القارئ الكريم: من هو وراء بروز وتطور هذه الدولة الأعجوبة؟ إنه لي كوان يو رئيس وزراء سنغافورة من عام 1965 ولغاية عام 1990 وباني نهضتها الحديثة، وهو ما سنتناوله إن شاء الله في الجزء الثاني من هذا المقال.

وللحديث بقية..