حينما ترى مكاناً تكثر فيه الاستقالات، وتخرج منه أعداد كبيرة من الموظفين، فاعرف على الفور أن هناك «مشكلة» في هذا المكان. لكن حين تدقق في نوعية المستقيلين والخارجين من هذا القطاع، وتكتشف أنهم كفاءات أو من حملة درجات علمية متقدمة، أو أنهم أفراد لديهم مبادئ وثوابت، فاعرف هنا أن هذا المكان لا يعاني من «مشكلة» فقط، بل فيه «كارثة» تستوجب التدخل العاجل. في جانب هام ورئيس معني بالإصلاح وتحقيق رؤية مملكة البحرين 2030، يعمل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد بقوة للبحث عن الكفاءات الشبابية وتمكينهم ومنحهم الثقة، وفي جانب آخر هناك مسؤولون يدمرون «حلم التطوير» و«ينسفون» القطاعات عبر تحويلها إلى «بيئة طاردة»، تستهدف «فقط» الكفاءات وأصحاب القدرات ومن يمتلكون المبادئ. شخصياً في كل قطاع عملت فيه، وضعت أمامي مبدأ «وحيداً» يتمثل بأن هذا القطاع لا يمثل «المسؤول»، بل يمثل الوطن، والعمل فيه لا بد وأن يكون خالصاً للبحرين ومتسقاً مع توجيهات القيادة التي تعمل بمنطلقات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله. ولعلها «نعمة» أن تكون كاتباً صاحب رأي في مقام متواز مع عملك، لأن هذه الميزة تكشف لك نوعيات من المسؤولين، يعاملونك بشكل مختلف، ولا أعني هنا أنهم يحابونك أو يقربونك أو يفرشون الأرض لك ورداً، بل أعني أنهم «يحاسبون» لك، لأن لديك قلماً يمكن أن يكشفهم، أو إن لم تكتب عنهم مباشرة أو بالتلميح، فإن لك طريقاً لدى القيادة توصل لها الملاحظات، وذلك تمثلاً بتوجيههم للصحافة بأن تكون سلطة رابعة تعينهم على إيصال نبض الناس، وتكشف الأخطاء وتساعد في الإصلاح. أقول إنها تكشف نوعيات بعض المسؤولين، لأنهم «يتجملون» أمامك، ويحاولون إخفاء سلبياتهم، لكن حين تلاحظ تعاملهم مع بقية الموظفين، مع بقية الناس، ترى الكوارث أمامك متجسدة، تجد الإخلال بالأمانة، وتجد ظلم الناس، وتجد محاباة للحاشية والمنافقين، وترى عملاً يناقض شعارات الإصلاح وتوجهات القيادة. أخطر ما شاهدته بعيني هي محاولات «تدمير» الكفاءات، ومساع لـ«تطفيش» أصحاب المبادئ الذين لا يقبلون الأخطاء، ويسعون لمناصحة المسؤولين من منطلق الحس الوطني. رأيت كفاءات وقدرات «تقتل»، وأصحاب مؤهلات رفيعة يتم «تهميشهم»، ورأيت أناساً يظلمون وآخرين يرقون بأساليب «قذرة»، وأنا عند هذا الوصف، إذ حين تحابي زمرة موظفين بعضهم ممن لا يمتلك الكفاءة، ولا يجيد إلا «مسح الجوخ» فإنك ترتكب جريمة «قذرة» ضد كفاءات هذا الوطن. كم طاقة شابة ذات مؤهل خرج من قطاع؟! كم من شباب استثمر البلد فيهم ودرسهم وتعب عليهم، ومعهم صرف عليهم أهاليهم الأموال في مدارس خاصة وجامعات، انتهى بهم المطاف للعمل في قطاع يقوده مسؤول «فاسد إدارياً»، واضطروا للنهاية إلى المغادرة؟! لدينا قصص وقصص، بعضها نوصله لأصحاب القرار، وبعضها مازال في جنبات بعض القطاعات، وفي صدور كثير من الموظفين. لذلك حينما كررنا مراراً وتكراراً بأن التعامل مع تقارير الرقابة المالية والإدارية بتساهل، مسألة خطيرة جداً، لأنها تدفع الفاسد إدارياً لمزيد من الفساد والطغيان، وفي المقابل يخسر هذا البلد عدداً من ثروته الحقيقية المتمثلة في «الكوادر المؤهلة الشابة». وأيضاً حينما لا توصل الأمور للمحكمة الإدارية ويبت فيها بقوة، أيضاً يستمر «هدر» بل «قتل» طاقات هذا البلد. أملنا في قيادتنا، هي التي تدعو لتعزيز قوة هذا الوطن عبر شبابه المؤهل، وهي القادرة بإذن الله على ردع ومحاسبة المسؤولين المستهترين الظالمين للبشر، الذين لم يحافظوا على أمانة المنصب. ليس أميناً على المنصب من يدعي ذلك بالقول، وممارساته تنضح بالفساد الإداري والمالي، وفوقها قتل الطاقات والكوادر وتنفيرهم من العمل في القطاع الحكومي.