جمهورية آيسلندا التي تقع في غرب القارة الأوروبية وعاصمتها ريكيافيك وتبلغ مساحتها الإجمالية 103 آلاف كيلومتر مربع ويصل تعدادها السكاني قرابة 320 ألف نسمة تأثرت بشكل هائل من الركود الاقتصادي العالمي في عام 2008 والذي ساهم في انهيار البنوك الـ3 الكبرى في آيسلندا وهي «غليتنير، لاندسبانكي، كاوبثينج»، وتجاوزت ديونها مجتمعة نحو 6 مرات من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد البالغ 14 مليار يورو «ما يعادل 19 مليار دولار». خلال تلك الفترة الحرجة أقر البرلمان الآيسلندي قانون طوارئ للحد من تأثير أزمتها الاقتصادية التي أثارت اهتماماً شديداً في وسائل الإعلام الدولية، ومن شاهد الوضع السائد في آيسلندا خلال تلك الفترة كان على يقين بأن الوضع سوف يستمر إلى الأسوأ بسبب الانكماش الاقتصادي الكبير آنذاك.

لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تماماً حيث كافحت آيسلندا خلال السنوات القليلة الماضية وأدى ذلك إلى نمو تدريجي في اقتصادها بسبب التنويع في مصادر الدخل من خلال الاعتماد على الصناعات التحويلية والخدمية وإنتاج البرمجيات والتكنولوجيا الحيوية والخدمات المالية والسياحية، الأمر الذي كان له الأثر البالغ في ازدهار الاقتصاد الآيسلندي حتى أصبحت هذه الدولة واحدة من أغنى وأكثر البلدان تقدماً في العالم بحسب الأرقام والإحصاءات والمؤشرات الدولية، فوفقاً لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2016 احتلت آيسلندا المرتبة التاسعة متفوقة على دول ذات ثقل سياسي واقتصادي منها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، في حين وضع مؤشر الابتكار العالمي لعام 2016 آيسلندا في المركز الـ13 متقدمة على كبرى البلدان مثل أستراليا وفرنسا والصين. في حين أصدر المؤشر الدولي للشركات في عام 2016 تصنيفاً لأفضل البلدان التي يمكن للمستثمر أن يؤسس بها شركته حيث جاءت آيسلندا في المرتبة السابعة بفضل نظامها الاقتصادي المرن وتطورها التكنولوجي متفوقة على دول كبريطانيا وفرنسا وسويسرا، أما فيما يتعلق بمؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2016، فقد حازت آيسلندا على المرتبة الـ22 عالمياً متقدمة بذلك على دول مؤثرة اقتصادياً كألمانيا وكوريا الجنوبية حيث يتكون المؤشر الذي يصدره معهد «هيرتيج فاونديش» ومقره واشنطن من 4 مقاييس رئيسة وهي سيادة القانون، والحرية المالية، والكفاءة التنظيمية، وانفتاح الأسواق.

كما أن معهد «ليجاتوم» البريطاني العالمي وهو مؤسسة بحثية تتخذ من لندن مقراً لها، أصدر قائمة الدول الأكثر ازدهاراً في العالم وفقاً لتقريرها السنوي لمؤشر الرفاهية والرخاء لعام 2016، حيث استند التقرير في تصنيف 149 دولة حول العالم إلى مقارنة 104 متغيرات تم تقسيمها إلى 9 مؤشرات، وهي جودة الاقتصاد، وبيئة الأعمال، والحوكمة، والتعليم، والصحة، والأمن، والسلامة، والحرية الشخصية، ورأس المال الاجتماعي والبيئة، ويعتمد هذا التقرير على بيانات من مصادر دولية مثل منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، حيث احتلت آيسلندا المرتبة الـ14 متقدمة على دول متطورة منها أمريكا واليابان وفرنسا وإسبانيا وسنغافورة.

كل هذه الأرقام والمؤشرات الإيجابية للاقتصاد الآيسلندي تدل على نجاحها في تجاوز مرحلة الانهيار الاقتصادي بالعمل والمثابرة والتخطيط السليم، حتى أصبحت قصة نجاح باهر نالت إعجاب العالم أجمع، في المقابل فإن هناك دولاً تأثرت نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية بدرجة أقل من آيسلندا ولم تستطع النهوض إلى وقتنا الحالي.

من هنا نأمل من حكومتنا الموقرة الاعتماد والتوجه بشكل أوسع نحو الاقتصاد البديل خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط عالمياً في وقتنا الحالي والذي أثر على دول المنطقة والاستفادة من التجربة الآيسلندية الباهرة خاصة وأن الاقتصاد البحريني قادر على تحقيق النجاحات في ظل الاهتمام والدعم المباشر من الحكومة الموقرة.

مسج إعلامي:

النجاح الآيسلندي تجاوز جوانب السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والصناعة والسياحة وشق طريقه إلى الرياضة من خلال اللعبة الأكثر شعبية في العالم وهي كرة القدم، ببلوغ هذا البلد الصغير بتعداد سكانه ومساحته مقارنة بباقي دول أوروبا، إلى نهائيات كأس العالم المقبلة بروسيا، والإطاحة بمنتخبات كبيرة بالقارة، مثل كرواتيا وتركيا وأوكرانيا، مع العلم بأن آيسلندا خرجت من الملحق الأوروبي للمونديال السابق في عام 2014 على يد كرواتيا، وهو ما يثبت إصرار وعزيمة هذه الدولة لتحقيق المزيد من النجاحات على كافة الأصعدة.