كانت زوجته تتنصت عليه من خلف الباب وهو يتحدث في هاتفه، ويتكلم إليها بصوت ودود وحنون، خاتماً حواره بـ» حاضر.. حاضر.. أبشري الحين وأنا في طريقي أحضره لك... ما يصير خاطرك إلا طيب». ومن ثم وضع هاتفه جانباً، وضع عطراً من زجاجة العطر الفواحة، وما إن فتح باب الغرفة وهو يهمّ بالخروج حتى اختفت زوجته عن الأنظار. وصل المكان المقصود ومعه الغرض المطلوب وكله سعادة غير متناهية عندما رأى محبوبته تتراقص فرحاً بقدومه، وهو في خضم الحوارات والضحكات تعلو وجهيهما، استلم رسالة نصية من زوجته تقول له فيها «أنا عند بيت أهلي ولن أعود إلى المنزل مجدداً ولا تسألني عن السبب فأنت وحدك تعرف ماذا يجول ويدور»!

قرأ الرسالة، انقبض قلبه واحمرت وجنتاه غضباً من فعل زوجته وهو يسأل نفسه مرار وتكراراً عن السبب وراء هذا التصرف المفاجئ من زوجته وأم عياله؟!

ولكن لم يطل بها الأمر لتعرف أن السيدة التي كان في الهاتف يودّها وبالهدايا يغمرها هي والدته، ولكن الزوج لم يرضَ على نفسه وهو يسمع كلام التجريح من زوجته تارة والإساءة من أهل زوجته تارة أخرى ونعتهم له بأوصاف لا تليق به ولا تمت للواقع بصلة قبل أن يعلموا حقيقة الأمر، ولم يتوانَ لحظة في رمي يمين الطلاق على زوجته أمام مرأى من الجميع، وذلك كي يعلمها درساً لن تنساه في حياتها أبداً. ليصبح تفكك هذا البيت وضياع استقراره نتيجة حركة متهورة غير مدروسة. وما زاد الأمر سوءاً، بدل أن يظهر على الساحة من هم للخير «سائلين»، ولإعادة الترابط «داعمين»، وللتراحم «داعين»، تحولوا إلى فريقين شرسين يوماً بعد يوم، وفجوة الخصام بينهما تتسع ليتخذ كل واحد منهما برنامجاً من برامج التواصل الاجتماعي منصة ليطلق من خلالها وابلاً من التهديدات والكلام الجارح والمهين.

وفي خضم كل هذه المآسي كان ولايزال الأبناء هم فقط من يعاني مأساة هذه النار والتي كانت شرارتها لحظة شك هادمة. ومهما حاولنا أن نقنع أنفسنا بأن الطلاق في كثير من الأحيان هو أفضل الحلول، ولكن لا يمكننا أن نتغافل أيضاً عن أن الوالدين هم من يملكون مفاتيح السعادة لبيوتهم واستقرار عائلاتهم، من خلال الحلم والتروي والتخلي عن الشك وسوء الظن والقرارات الفجائية القاتلة، ولا بد من توطيد جسور الثقة المدعّمة بالحب والمودة. فلا يمكننا أن نضمن أجيالاً واعدة نشأت وترعرعت ضمن جدران متصدعة.

فصدق من قال: معظم النار من مستصغر الشرر.. ومن القصة رسالة وعبرة فليتعظ أولو الألباب.