عواصم - (وكالات): أعلنت قوات سوريا الديمقراطية رسميا الجمعة تحرير مدينة الرقة، ووصفت التقدم العسكري المهم بـ "النصر التاريخي" الذي أهدته "إلى الإنسانية الجمعاء"، في حين أكدت من جهة ثانية أنها ستسلم مقاليد المدينة الى مجلس مدني ليدير شؤونها.

وبعد 3 أيام من سيطرتها على المدينة بالكامل، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية التي تضم تحالفا من فصائل كردية وعربية مدعومة بقوة من واشنطن، في مؤتمر صحافي عقدته في الملعب البلدي في وسط المدينة رسمياً "تحرير (...) عروس الفرات، مدينة الرقة"، التي كانت طوال ثلاث سنوات المعقل الأبرز لتنظيم الدولة "داعش"، في سوريا.

وقال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية طلال سلو خلال المؤتمر "نهدي هذا النصر التاريخي للإنسانية جمعاء، ونخص بالذكر ذوي ضحايا الإرهاب ممن كابدوا ظلم وإرهاب داعش في سوريا والعالم".



وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية الثلاثاء سيطرتها على كامل مدينة الرقة إثر معارك ضارية دامت أكثر من 4 أشهر وبعد اتفاق تسوية برعاية وجهاء عشائر ومجلس الرقة المدني سلم بموجبه المئات من عناصر التنظيم أنفسهم إلى تلك القوات.

وهنأ التحالف الدولي بقيادة واشنطن في بيان الجمعة قوات سوريا الديمقراطية بإعلانها "تحرير مدينة الرقة من احتلال داعش"، مشيراً إلى أهمية الرقة بالنسبة للتنظيم المتطرف على "المستويات التخطيطية والتمويلية والتنفيذية".

وكانت الرقة، وفق التحالف، في بعض الاحيان "الملهم للقيام بأنشطة ارهابية" حول العالم بينها "باريس وبروكسل ونيس ومانشستر".

ومن المفترض أن يتسلم المجلس إدارة المدينة بعدما كان تسلم العديد من المناطق المحررة في ريفها، وسيكون أيضاً المسؤول عن متابعة ملف الإعمار فيها.

وأنشئ المجلس في أبريل الماضي ويضم وجهاء من أبرز عشائر الرقة وشخصيات سياسية لإدارة المدينة وريفها.

وأكدت قوات سوريا الديمقراطية الجمعة في بيانها "إننا في القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية نعلن بأننا سنقوم بتسليم إدارة مدينة الرقة وريفها إلى مجلس الرقة المدني ونسلم مهام حماية أمن المدينة وريفها لقوى الأمن الداخلي في الرقة".

وأوضح سلو رداً على أسئلة صحافيين أنه "بعد الانتهاء من عملية التمشيط بشكل آمن سوف نقوم بتسليم المدينة إلى مجلس الرقة المدني".

ولا تزال عمليات التمشيط مستمرة في المدينة بحثاً عن عناصر متوارية من تنظيم الدولة "داعش"، ولتفكيك الألغام التي زرعها الجهاديون بكثافة.

وبدأ مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية خلال اليومين الماضيين بالخروج من المدينة، ومنهم من توجه لدعم القوات التي تخوض معارك ضد الجهاديين في محافظة دير الزور شرقاً.

ولم تسمح قوات سوريا الديمقراطية بعودة المدنيين إلى المدينة بانتظار الانتهاء من عملية التمشيط وإزالة الألغام المنتشرة في شوارع ومنازل المدينة. ويلجأ تنظيم الدولة "داعش"، إلى زراعة الألغام بشكل كثيف في مناطق سيطرته التي تتعرض لهجوم من خصومه لإعاقة تقدمهم.

وقال سلو "عند الانتهاء من إزالة الألغام وتأمين المدينة بشكل جيد سيسمح بعودة المدنيين".

وفرّ عشرات آلاف المدنيين من مدينة الرقة هرباً من المعارك الضارية التي شهدتها، وخلت المدينة تدريجياً من سكانها لتصبح فارغة تماماً منهم لحظة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها.

وتوقع المتحدث باسم رئاسة الأركان الفرنسية باتريك ستايغر ألا يتمكن المدنيون من العودة إلى الرقة إلا "بعد أسابيع طويلة" بسبب الألغام. وقال "المدينة حرفياً مليئة بالألغام المصنعة يدوياً".

في الملعب البلدي الذي اعتاد سكان الرقة أن يطلقوا عليه تسمية "الملعب الأسود" بعدما جعل تنظيم الدولة "داعش"، منه سجنا، تجمع العشرات من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية بلباسهم العسكري ومدنيون من أعضاء مجلس الرقة المدني.

ودخل العديد من أعضاء مجلس الرقة المدني للمرة الأولى إلى المدينة بعد سنوات على مغادرتها هرباً من حكم المتطرفين.

وقال العضو في مجلس الرقة المدني أحمد العلي "31 عاماً"، المتحدر من المدينة "هذه المرة الأولى التي أدخل فيها المدينة بعد تحريرها".

وتابع قبل أن يجهش بالبكاء "لم أتمكن من الوصول إلى بيتي في شارع القطار"، مضيفاً انه يدفع أي شيء "لكي أرى بابه فقط".

ويعم الدمار الرقة. في الأحياء الواقعة على أطراف المدينة والتي تمت استعادتها في بداية الهجوم منازل مدمرة وأخرى انهار سقفها أو خلعت أبوابها. إلا أن المشهد بدا صادماً وسط المدينة حيث جرت معارك عنيفة جداً للسيطرة على أبنية استراتيجية. وكأن حارات تحولت بأكملها الى أنقاض، فلم يعد من الممكن التفريق بين منزل ومتجر فكل شيء بات مجرد جبال من الركام، حجارة وأنابيب وأسلاك.

وتتوقع الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أن يتطلب تنظيف الرقة وإعادة إعمارها جهوداً ضخمة، وشهوراً عدة قبل أن تعود الحياة إليها.

وقدرت الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي أن 80 % من مساحة الرقة باتت غير قابلة للسكن، وتعاني المدينة حالياً من غياب كامل للبنية التحتية الأساسية.

وقال محمود محمد "27 عاماً" العضو في لجنة الإعمار في مجلس الرقة المدني، "عندما دخلنا إلى المدينة، تغيرت خططنا تماماً. الوضع أسوأ بكثير مما كنت أتخيله".

وتشكل السيطرة على مدينة الرقة نكسة كبرى للتنظيم الذي مني في الأشهر الأخيرة بسلسلة خسائر ميدانية في سوريا والعراق المجاور.

وفقد التنظيم، وفق التحالف الدولي بقيادة واشنطن، 87 % من أراضي "الخلافة" التي أعلنها في البلدين في عام 2014.

وأكد التحالف الدولي في بيانه الجمعة أن تحرير الرقة "لا يعني نهاية إرهاب داعش". ونقل عن قائد التحالف الجنرال بول اي فنك قوله "ما زلنا نحارب بقايا داعش في العراق وسوريا (...) ولا تزال هناك معركة صعبة تنتظرنا".