يمثل هذا الموضوع أهمية بالغة لارتباطه بثلاث قضايا أولها الوضع الراهن في مواجهة التحدي الإيراني، وهو تحدي متنوع الأبعاد هو تحدي الوجود حيث ترفض إيران الاعتراف بوجود كيان اسمه مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتصر على تسميته مجلس التعاون لدول الخليج «الفارسي»، وثانيها، الطموحات الإيرانية للسيطرة علي دول المجلس، والتدخل في شؤونها الداخلية، وثالثها، الرؤى المستقبلية لدى دول مجلس التعاون، والتي تواجه تحدياً حتى من بعض الأعضاء، مثل مقترح العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، بالانتقال من التعاون إلى الاتحاد ومواقف الدول المختلفة.

من هنا يكتسب هذا الموضوع أهمية متزايدة رغم أنه ليس أول من كتب في هذا الموضوع. فهناك باحثون من الإمارات والبحرين والكويت ومصر وغيرها كتبوا ولكن الفارق الجوهري هو في استخدام المناهج المتعددة للدراسة وفي خلفية وخبرة الباحث الدكتور الشيخ عبد الله بن علي آل خليفة العسكرية فهو أكثر إدراكا لمفهوم الأمن وهو متخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ومن ثم أكثر إلماماً بمفهوم الأمن الشامل، وهذا انعكس بوضوح في هذه الدراسة التي تناولت الأبعاد والتطور التاريخي كما اهتمت بمجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع بالإضافة الجوانب العسكرية.

وتقع الدراسة في أكثر من 510 صفحة شاملة، 29 صفحة من المراجع العربية والأجنبية. وهذا يدل علي عمق الدراسة وحرص الباحث على التعرف على مختلف وجهات النظر. ولن نعرض تفصيلا للكتاب وإنما نسوق عدداً من الملاحظات كالآتي:

الأولى، أن الباحث استخدم ثلاثة مناهج هي المنهج التاريخي والمنهج الوصفي التحليلي والمنهج المقارن. وهذا يعني قيامه بجهد مضاعف لاستخدام هذه المناهج الثلاثة.

الثانية، إن الباحث أوضح في المقدمة أهداف البحث والتساؤلات التي يطرحها والفروض التي يسعى لإثباتها، وتقسيم البحث والنتائج التي توصل إليها في الخاتمة. ومن ثم فهو اتبع الأسلوب العلمي الصحيح في البحث الأكاديمي، وإن ربط بينه وبين الخبرة العملية في موقع عمله كمتخصص عمل في المجال العسكري.

الثالثة، إن البحث والباحث اتسم بالشجاعة في التطرق لقضايا يتجنبها باحثون كثر لحساسيتها فهو تطرق للأوضاع الداخلية ببعض الدول الخليجية. وهذا التناول كان ضرورياً فكيف يتم بلورة مفهوم الأمن دون بحث ما تتعرض له الدول من تحديات داخلية وفي مقدمتها الطائفية والفكر الطائفي ومن بينها أحدث الأزمات التي ارتبطت تاريخياً بما أطلق عليه «الربيع العربي»، وهو ليس ربيعاً بل خراباً عربياً.

الرابعة، إنه تناول مساعي وآليات تحقيق الأمن الخليجي مثل درع الجزيرة والسعي للانتقال من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد وهي المبادرة التي أطلقها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله. ولكنها لم تتحقق فقد برزت الصعوبات العديدة لدى كل دولة رغم تأييد الجميع ما عدا دولة واحدة ويمكننا القول إن تلك الدولة كانت أكثر صدقاً مع نفسها فتحفظت علي رؤوس الأشهاد بخلاف الدول التي أبدت الموافقة ظاهرياً وعملت علي إثارة الشكوك عندما جاء وقت التفكير في التنفيذ.

الخامسة، إنه رغم دقة البحث والمناهج المتعددة فإن لكل عالم هفوة، ومن الهفوات، ربط بعض الموضوعات في مبحث واحد وكان ينبغي أن يخصص لتلك الموضوعات مباحث بل فصولاً مستقلة. فالربط بين الأزمة في البحرين والعملة الموحدة كان ينبغي أن يكرس لها فصلاً مستقلاً لأنها قضية اقتصادية معقدة وتأثرت المواقف الخليجية بشأنها بالتجربة الأوروبية في العملة الموحدة وما تعرضت له من هزت وأزمات اقتصادية في أوروبا مما أثار شكوكاً خليجية في سلامة قرار العملة الموحدة. وكذلك الاختلاف حول مقر البنك المركزي ومن الهفوات الربط بين توازن القوى والطائفية إذ إنهما قضيتان مختلفتان وكان ينبغي أن يكون لكل منهما فصلاً خاصاً. وقد لاحظت محدودية عدد الفصول بينما كان ينبغي أن تكون أكثر من ذلك ولكنه قلل الفصول وزاد في المباحث وتفريعات كل مبحث وهذا اقرب للكتابات القانونية، ونقول إن هذه مسائل شكلية أقرب للهفوات فالكمال لله وحده.

السادسة، إن البحث حظي باهتمام مركز عيسى الثقافي، وهو مركز له مكانة وتتزايد أهميته مع تنوع علاقاته الدولية والإقليمية والعربية، وقد قام المركز بطباعة الدراسة، كما قام بتدشين الكتاب تحت رعاية سمو الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة، رئيس مجلس أمناء المركز، واشرف على التدشين، وتقديم هدية تذكارية للباحث الدكتور خالد بن خليفة آل خليفة المدير التنفيذي للمركز، وقد لوحظ اهتمام النخب السياسية والمثقفين والإعلاميين مما يؤكد أهمية الدراسة.

وإنني إذ أعرب عن تهنئتي للباحث فإنني على ثقة من أنه سوف يستمر في البحوث ذات الصلة بالمفاهيم الجديدة للأمن، مثل الأمن السيبراني. وأتمنى الاستفادة من هذه الدراسة القيمة ومن الباحث المتميز من قبل المؤسسات الأمنية والسياسية ومؤسسات التحليل والتخطيط السياسي بما يساعد صانع القرار على اتخاذ القرار الصحيح في اللحظة المناسبة.