قد يبتهج البعض بأن قوات البشمركة الكردية قد انسحبت من المناطق المتنازع عليها في 16 و17 أكتوبر، وذلك بسبب ضغط قوات الأمن في الحكومة المركزية والميليشيات المدعومة من إيران، وذلك عقب استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق، الذي أتت نتيجته مؤيدة للانفصال بنسبة 92%. وقد أعلنت الحكومة المركزية وإيران نيتهما استخدام القوة لإجبار قوات البشمركة على الانسحاب من نينوى وصلاح الدين وديالى. والذين يسرهم تلك التطورات يظنون خطأ أن انسحاب البشمركة هو نصر لوحدة العراق ولكن في الحقيقة هو نصر لإيران التي دورها منذ 2003 لم ينتج عنه سوى تفكيك العراق وتقويض السيادة الوطنية لصالح التبعية لنظام الملالي ونشر الطائفية وقتل الهوية الوطنية والتلاحم المجتمعي وتشتت الوحدة الوطنية. وبالرغم من أن إيران تقلل من شأن تدخلها في المناطق الكردية وتصور الأمر على أنه تصرف صادر من الحكومة المركزية، لكن الحقيقة تؤكد أن انحسار قوات البشمركة سيقوي نفوذ إيران في العراق. وبعد أن كان النفوذ في الجنوب وفي بغداد الآن يمتد النفوذ الإيراني إلى الشمال الكردي. ووضع المناطق التي تسكنها أغلبية كردية تحت نفوذ قوات تابعة لإيران سيدفع بالأكراد إلى مقاومة سلطة إيران. وقد بدأت الاحتجاجات في 18 أكتوبر وربما تتطور إلى أعمال عنف إن لم تتم معالجتها بحكمة ودراية. وبالرغم من أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أمر بنقل السلطات الأمنية إلى الشرطة المحلية، لكن من غير المحتمل أن ترفع إيران قبضتها عن أراضٍ أصبحت تحت سيطرتها خاصة حين تشمل تلك المناطق كركوك الغنية بالنفط. وهنا يأتي دور الخليج الذي عليه أن يتحرك بسرعة وأن يحتوى الأزمة قبل أن ينتج عنها حرب أخرى تؤدي إلى زيادة تعقيد الأمور في المنطقة. ولذلك على الخليج أن يطرح حلاً يؤمن وحدة العراق ويعطي حلاً عادلاً للأكراد ويحفظ كيانهم ويحميهم من التدخلات الخارجية لا سيما التركية. فتركيا تدخل بدباباتها حين تشاء إلى المناطق الكردية، وأمريكا كم مرة باعت الأكراد لأردوغان بعد أن استعملتهم كورقة للمساومة عليها. والأكراد لا يثقون بالحكومة المركزية المسيرة من إيران، ويجب ألا ننسى الاضطهاد الذي عاناه الأكراد منذ نظام الخميني الذي أطلق عليهم «الكرد الكفر»، وقصفهم واغتال قياداتهم ومنعهم من المشاركة في الحياة السياسية. واليوم تركيا، بالإضافة إلى حشد قواتها العسكرية تهدد بتجويع الأكراد من جراء الحظر الاقتصادي الذي يمكن أن تمارسه عليهم. وإيران من جهة ثانية موجودة في عقر دار الأكراد الأمر الذي طبعاً لا يرضيهم. ولذلك هنا على الخليج التدخل لتجنب حرب دامية، وإعطاء الأكراد الضمانات والبدائل والمحفزات التي يمكن أن تعوض عن الانفصال الكلي وتضمن الاستقرار النسبي وتحجم من النفوذ الإيراني في العراق.