لكل منا له نصيب في الدنيا.. وللرزق أبواب كثيرة منها المال والولد والزوج الصالح. وقد أوصانا الله أن يكون الزواج على أساس المودة والرحمة، وقد نظم الإسلام العلاقة الزوجية بوضع عقد بين الطرفين يتضمن الحقوق والواجبات، ومن حقوق المرأة أن يدفع الزوج لها مهراً، وقد شرع المهر كهدية مستحقة كدليل على حب الزوج لزوجته، وتقديسه للرباط الزوجي ورغبته في مشاركتها الحياة، مما يبعث الطمأنينة إلى قلبها وهو ما أوجبه الله تعالى للزوجة، من مال كحق مقرر لها يُنص عليه بعقد الزواج لقول الله تعالى «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة»، «سورة النساء الآية: 4».

ولكن ليس كل تجربة زواج تنتهي بالنهاية السعيدة أو تستمر إلى آخر العمر، فأحياناً تستحيل العشرة بين أحباب الأمس ليفترقوا، وأشفق على شباب هذه الأيام وسط ضغوط الحياة التي باتت عصيبة مما قد يؤدي لفشل هذا الرباط المقدس تحت وطأة الضغوط النفسية التي أصبحت سيفاً على رقاب الأسرة الناشئة. وكل شراكة في نجاحها لها مكاسب وفي حال فضها أو فشلها لها خسائر، وفي حال انتهاء العلاقة الزوجية عن طريق الخلع أو الطلاق يجب رد المهر أو جزء منه حسب الحالة.

فتطل علينا مشكلة لم تكن في الحسبان، وهي قيمة المهر الذي يجب إرجاعه للزوج، وتكمن المشكلة إن لم توثق قيمة المهر بشكل صحيح في عقد الزواج، فقديماً قالوا: من نسي حرفاً من الشرع أحوجه الله إليه، تصر بعض الفتيات على كتابة قيمة المهر أكبر مما تم الاتفاق عليه وذلك لتتفاخر أمام الأهل والصديقات، والبعض يكتب قيمة المهر أقل مما يدفع للمرأة أو يكتب مبلغاً رمزياً كنوع من التقاليد، وكثيراً ما نرى أن الأسر لا تحرص على توثيق القيمة الحقيقية للمهر من باب حسن النية فعند إبرام العقد يتفاءل جميع الأطراف باستمرار العلاقة الزوجية وبالتالي لا يتوقع أحد انتهاءها بالطلاق ولكن تبرز المشكلة في حالة وقوع ما لم يكن في الحسبان وهو الخُلع أو الطلاق وصدور حكم القاضي برد المهر أو جزء منه فيبدأ النزاع، فإن كانت قيمة المهر كتبت أكبر من الواقع وقع ظلم على الزوجة وإن كتب قيمة المهر أقل من الواقع وقع ظلم على الزوج، وعادة ما يعتمد القاضي في حكمه بتحديد قيمة المهر المُرجع على ما يرد في نص العقد وليس على ما يدلي به الطرفان من أقوال إلا في حالة التراضي، وهذا الأمر يجر نزاعاً مما يزيد حدة الخلاف في فترة الطلاق أو الخلع ويقوي الشعور بالظلم وقد يثير مشاعر الحقد والغل، فتتسع شقة الخلاف والنزاع، وكان من الأولى أن يتعامل الطرفان عند إبرام العقد بعقلانية وتوثيق القيمة الحقيقية للمهر.

وهناك مشكلة أخرى، وهي أن المرأة لا تستلم أحياناً المهر الذي دفعه لها الزوج من وليها، فتواجه مشكلة رد مال لم تستلمه من الأساس. لتواجه مصير رد أموال قد لا تمتلكها لتدخل في دوامة دين فتزيد آلامها فكم هو جميل أن توضع التدابير لضمان استلام الزوجه لمهرها.

وقال تعالى: «فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف»، «سورة النساء الآية: 25»، وهذا يثبت أن المهر هو حق شرعي للمرأة ويجب إعطاءه لها ولها مطلق الحرية في أن تتصرف فيه كيفما تشاء ولا يحق للأب أو لأحد من أهل الزوجة أن يأخذ منه شيئاً أو الحصول عليه كما لا يحق للزوج انتقاص جزء منه أو عدم دفعه.

ويبقى سؤال نطرحه، هل يجب على المرأة رد قيمة المهر في حال رغبتها في إنهاء عقد الزواج بعد الزواج في مجتمع نجد أن الزوجة تشارك الرجل في الإنفاق على الأسرة وتوفير متطلبات الحياة، وبناء عش الزوجية، وقد تدفع مبالغ تفوق قيمة المهر المدفوع لها بكثير؟ أليس من الأولى في هذه الحالة أن يتنازل الزوج عن قيمة المهر؟

«العقد شريعة المتعاقدين»، هذه الجملة توضح وبدقة.. الحقوق والواجبات لطرفي أي عقد مبرم بغرض الشراكة في أي من المجالات خاصة التجارية ويتم اللجوء إليه في حال فض الشراكة، وبما أن أهم وأقدم عقد وأقدسه هو عقد الزواج، فيجب ألا تحجب أي من الحقوق وبقيمتها الحقيقية اثناء كتابته خاصة فيما يتعلق بمهر الزوجة، لذا فإن توثيق المهر أو المعاملات الزوجية بين طرفي الزواج ليس عيباً ينتقص من حقوق أي منهما، فإنه حفظ للحقوق ودرء لنشوب نزاع أكبر فيما بعد، ويعطي كل ذي حق حقه.