أذكر أني حضرت في «مركز الإمارات للسياسات» مجموعة من ورش العمل التي سلطت الضوء -لاسيما في الأعوام الثلاثة الأخيرة- على الأمن السيبراني ومشكلات القرصنة الإلكترونية، ومن المؤكد أن هذا الاهتمام لم يأتِ مصادفة أو من فراغ، فالمهددات السياسية والأمنية التي اتسمت بها المرحلة باتت تلجأ للعالم السيبراني في هجماتها أكثر من البعد العسكري العملياتي أو الميداني، إن صح التعبير، ما جعل الإمارات العربية المتحدة تلتفت للأمر على مستوى من الجدية في ندواتها العلمية التي تستقطب فيها نخباً إقليمية ودولية من المختصين. وقبل الانطلاق إلى الدور السعودي الجديد المتمثل بصدور الأمر الملكي بإنشاء هيئة وطنية لحماية الأمن السيبراني «الإلكتروني» بالمملكة العربية السعودية، يجدر الإشارة كذلك إلى أن الاهتمام بالبعد السيبراني ليس جديداً ولا طارئاً في الخليج العربي، فقد ضمت الجيوش الخليجية الكتيبة الخامسة للأمن الإلكتروني منذ سنوات، ولكن حجم التحديات التي بات يواجهها العالم والمنطقة برمتها هما ما دعا لضرورة التركيز على هذا الجانب، والعمل على مستوى أعلى من التخصص والتركيز بإنشاء هيئات أو مراكز وطنية مستقلة في هذا المجال. وبالوقوف على الانطلاقة السعودية الجديدة والتي جاءت من أجل الحماية من القرصنة الإلكترونية، فإن الهيئة وضعت لتضطلع بحماية الشبكات وتعزيز أنظمة تقنية المعلومات وتعزيز أنظمة التقنيات التشغيلية ومكوناتها، إذ تهدف إلى تعزيز الأمن السيبراني للدولة وحماية مصالح المملكة الحيوية وحماية أمن المملكة الوطني وحماية البنى التحتية الحساسة في المملكة، أما الأولويات التي تقوم عليها الهيئة فقد تمثلت في استقطاب الكوادر الوطنية وتأهيلها وبناء الشراكات مع الجهات العامة والخاصة وتحفيز الابتكار والاستثمار في مجال الأمن السيبراني والإسهام في تحقيق نهضة تقنية تخدم مستقبل الاقتصاد الوطني للمملكة. وفي لقاء أجريته مع مستشار تقنية الاتصالات وأمن المعلومات من البحرين الدكتور عبدالله خليفة الذوادي، أذكر دعوته لوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب الإلكتروني وإنشاء «مركز الأمن الإلكتروني» الشامل، وتركيزه على أهمية أن إيجاد كوادر وطنية مؤهلة وذات رؤية إستراتيجية سياسية أمنية تعي المهددات السياسية والأمنية بالمنطقة، وتعرف كيف تتعامل معها. ولا شك في أن تلك الدعوة تنطلق من أهمية التركيز على هذا المجال وتطويره لكي لا يقتصر دوره على كتيبة عسكرية وحسب. ولكن الدعوة هذه.. وتطبيقاتها العملية في المملكة العربية السعودية، والتهديدات المشتركة التي تتعرض لها دول الخليج العربي، وجهودها المشتركة في مجالات الأمن وخصوصاً الاستخبارات، كلها تدفعني للقول بأهمية إنشاء مركز إقليمي خليجي مشترك للأمن السيبراني بما يقدم رؤية واضحة وجهوداً ضخمة في تحديد التهديدات الأمنية ومواجهتها إلكترونياً. * اختلاج النبض: لدينا في الخليج «المركز الخليجي لإدارة الأزمات والكوارث»، و«المركز الخليجي للإنذار المبكر للأمراض الحيوانية العابرة للحدود»، وقد آن أوان تأسيس «مركز الأمن السيبراني الخليجي» بدلاً من بذل الجهود منفردة لكل دولة على حدة، وبما يمكنه أن يرفع من مستوى إنتاجية وكفاءة المركز بتنوع الخبرات وكفاءتها.