بتغني فيروز وبتقول «تعا ولا تجي وكذُب علي الكذبة مش خطية اوعدني انك جايي وتعا ولا تجي». هذه أغنية ليس إلاّ، ولا يعني أبداً أن الكذب ليس بخطيئة كبرى، ولكن هذه الكلمات تعبير مجازي لإنسانة تعبت من الوعد الموهوم وانتظار عودة حبيبها الميمون، وتطبيقه دوماً لمبدأ إذا ما صار اليوم حيصير بكرة بشكل معلوم.

«بكرة» أي «غداً» هي الكلمة أو العكاز التي نتكئ عليها باستمرار، ويجيئ غداً ويرحل والأمر لايزال على ما هو عليه لا شيء تغير. نعم إنها آفة التأجيل والتسويف التي يعاني منها الأغلبية إذا لم نقل الجميع واحتمالية أن أكون أنا أو أنت من جماعة المتسوفين هذه بالتحديد. ولكن قبل أن يجيء بكرة قررت أن أكتب الآن ما طلبته مني صديقتي وما آلت معها كلمة بكرة التي اتصلت بي وهي مصدومة من نفسها التي كانت تؤجل طلباً بسيطاً لوالدها المريض، وكلما تحدث معها على الهاتف وسألها عنه: وعدت وحلفت بأنها ستحضره له بكرة، وبقي الحال معها ما يقارب الشهرين وهي بين وعد وحلف والوالد في أمل وانتظار، إلى أن سمعت الخبر الأليم. تقول لي وتحلف بأنها حزينة على فراق والدها ولكنها حزينة أكثر بأنها لم تلب ما طلبه منها وكان ينتظره منذ شهرين. وأن ما منعها من التنفيذ بأنها كانت تجد نفسها رهينة الظروف والالتزامات التي تشغلها وعندما يحلّ آخر الليل تعزي نفسها وتقول «بكره» سأقوم بما طلبه مني والدي.. إلى أن جاء الوقت ولم يعد ما يجب تنفيذه من قيمة تذكر.

حال هذه الصديقة كحال الكثيرين منا، نعلق أنفسنا ومن حولنا بمفردات هدامة من شأنها تقتل متعة اللحظة وأن تخسرنا الكثير من الفرص التي يمكن أن تحول حالنا إلى أحسن حال أو أن ترسم ابتسامة رضى على وجهنا أو وجه من حولنا، لاعتقاد راسخ فينا أننا نملك مفاتيح الوقت بين أيدينا، وأننا نتمكن من إيقاف عقارب الساعة متى نريد وكيف نريد ولا ننتبه إلا بعد فوات الأوان.

ولهذا السبب نجد الكثير من الدورات وورش العمل التدريبية التي تحض على استخدام الوقت واستثماره بالشكل الصحيح وعدم التفريط بهذه الجوهرة التي ما أن بهت بريقها لن يعد وهجها مرة ثانية. كفانا أعذاراً لنحد من عنان طموحنا، مستندين على «بكرة» الذي يمكن بحسب تفكيرنا إلا يأتي أبداً.. قم بكل شيء تريد القيام به «الآن» فإن «الآن» لها قوة لا يدركها إلا من يجيدها.