التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، والتغيرات اللافتة في العلاقات بين دولها، والتصريحات النارية التي تكاد ألا تتوقف حتى صار اعتيادياً ظهور الشريط الأحمر الذي تتقدمه كلمة «عاجل» في مختلف الفضائيات تحمل الكلام الذي يشعر المتلقي بأن أمراً غير عادي سيحدث قريباً، كل هذا يدفع أغلب المحللين إلى القول بأن حرباً جديدة ستشهدها المنطقة، بل إن بعض هؤلاء يجزم بأن الحرب على الأبواب وأن الوضع ينذر بمفاجآت وأننا قد نصحو ذات يوم قريب على أصوات المدافع والصواريخ، يستدلون على ذلك بأمور من مثل دعوة بعض الدول مواطنيها إلى مغادرة لبنان في أسرع وقت والردود الاستفزازية الإيرانية والتصريحات اللامسؤولة لمسؤوليها، هؤلاء يدفعون نحو الاعتقاد بأن عزماً قد تم الاتفاق عليه لتقليم أظافر «حزب الله»، حزب إيران في لبنان.

لكن كل ما يقوله هؤلاء لا ينطلق في الغالب من معلومات أكيدة، وبالتالي فإن ما يقولونه ليس إلا تحليلاً، والتحليل إن لم ينطلق من معلومة أكيدة وثابتة يكون حظه من الخطأ أكبر، حيث التحليل ليس إلا محاولة للربط بين الأحداث وليس إلا توقعات. ولأن الأحداث متسارعة والتغيرات تتلاحق لذا فإن الكثير من هذه التحليلات لا تثبت، فقد تتغير الأحوال في لحظة، وقد يحدث التفاهم في الربع ساعة الأخيرة.

على عكس هؤلاء يوجد من يجزم بأن المعطيات وتطورات الأحداث لا يمكن أن تؤدي إلى نشوب حرب جديدة في المنطقة وإن أوحت الأجواء بذلك ودفعت أولئك إلى الاعتقاد بعكس هذا، والسبب في رأي هؤلاء هو أن كل الأطراف تعلم أن المنطقة لا تحتمل حروباً جديدة وأن أي حرب إضافية في هذه الفترة بالذات ستكون كارثية على الجميع ولن تنتهي إلا بعد أن تأكل اليابس والأخضر وكل شيء، وهذا ليس في مصلحة أي منها، فالحرب التي يطغى الحديث عنها هذه الأيام إن بدأت لن تنتهي سريعاً إلا في حالة تدمير أحد طرفيها الآخر تدميراً شاملاً، وهذا غير ممكن منطقاً، فهذه الحرب لن تكون بين دولتين وإنما بين محورين يضم كلا منهما مجموعة من الدول تحالفت وتعاهدت على أن تكون معاً «على الحلوة والمرة».

في اعتقادي أن الحرب الكلامية ستستمر بين السعودية وإيران، وستستمر كذلك الحرب بالوكالة في مختلف الساحات المعروفة، لكن نشوب حرب مباشرة بين هاتين الدولتين أمر غير واقعي وغير منطقي لأنها باختصار ستؤدي إلى تدمير المنطقة بأكملها. إيران ورغم ما تمتلكه من أسلحة لن تتمكن من هزيمة السعودية.

الطبول التي يسمع صوتها حالياً ليست طبول حرب، فالنوافذ لاتزال مفتوحة، والأكيد أن السعودية - على الأقل - تريد أن تبقيها مفتوحة لأن إغلاقها يعني فتح أبواب الحرب على مصاريعها وهذا ما لا تسعى إليه السعودية التي غايتها من كل ما يجري هو وضع الأمور في نصابها وسد أبواب الفتنة التي تعلم أن لإيران مصلحة فيها، وذلك بتقليم أظافر حزبها في لبنان الذي تسيطر عليه.

في اعتقادي أن السعودية تريد من كل هذا الذي يجري اليوم أن توصل رسالة مفادها أنها لن تقبل بأن تجعل إيران من لبنان منطلقاً للاعتداء عليها وعلى دول مجلس التعاون والمنطقة وأنه لهذا ينبغي من لبنان أن يتخذ قرارا في هذا الخصوص يطمئن السعودية وحلفاءها ويضمن به أمن لبنان وأهله، حيث الخاسر الأكبر سيكون لبنان الذي لم تجلب له إيران وحزبها هناك سوى الأذى، بل الكثير من الأذى.