رجال جهاز «الدفاع المدني» الذي أنقذ حياة أكثر من 400 مواطن أخلاهم من منازلهم في بوري والنيران تصل لعنان السماء وأصيب العديد منهم بحروق من درجات متفاوتة وهم ينقذون الأهالي هم رجال من وزارة الداخلية، واجبهم لا يختلف بتاتاً عن واجب رجال حفظ النظام، ومهام سيارتهم الإطفائية لا تختلف أبداً في مهامها عن جيب الشرطة الأبيض والأزرق، الاثنتان مسخرتان لخدمة الناس والاثنتان لحفظ الأمن، والاثنتان تمثلان الدولة بتكاملها، هكذا لا بد أن ينظر للدولة على أنها مؤسسات وقانون، رجل الدولة ليس عدوك طالما لم تهاجمه وطالما التزمت بالقانون، والدولة لك ومنك طالما أديت التزاماتك تجاهها، يحق لك أن تطلب خدماتها، تلك ثقافة ووعي ينقصنا نشره وترسيخه في عقول الناشئة.

كما إن صورة الرجل الطيب الذي كان يسقي رجال المطافئ بالماء لا يجب أن تؤخذ على المنحى العاطفي فقط رغم أنه منحى يستحق الثناء والتقدير، إنما لا بد أن تؤخذ بمفهومها وبعدها السياسي أيضاً، تلك هي الصورة المعبرة عن العلاقة الطبيعية بين أجهزة الدولة وبين المواطن في كل موقع، علاقة احترام وعلاقة تقدير متبادل وخدمات متبادلة وتكاملية.

اقتناع المواطن بأن إنفاذ القانون أمر لا مفر منه ولا مهرب حين يخطئ أحد من المواطنين أو المقيمين ويرتكب مخالفة أو جريمة يعاقب عليها القانون، وإلا سيأتي يوم عليه يحترق فيه بيته ويتحرش بأبنائه ولا يستطيع أن يطلب من الدولة أن تنقذه أو تحميه أو تأخذ له حقه.

قبول الإنسان أن يكون عضواً في أي مواطن بالدولة هو قبول ورضى باحترام دستورها ومؤسساتها وقانونها، ومن بعدها تقدم له الدولة حقوقه.

هذه العلاقة شابها التشويه والعبث فأصبح الاثنان خصمين وأصبحت صورة كصورة المواطن الذي يسقي رجال الإطفاء صورة يحتفى بها كبارقة أمل في عودة الروح الطبيعية بين الاثنين (الدولة والمواطن) في حين أنها هي ما يجب أن تكون عليه العلاقة الطبيعية.

إعادة رسم وترميم ما هدم من هذه العلاقة (الدولة والمواطن) واجب يضطلع به الاثنان مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع، وأول مواقع الترميم هي المواقع الاجتماعية قبل المدارس وقبل الإعلام، والمحافظات والنواب، والبلديات، حلقات وصل لا بد لها أن تقتحم تجمعات الأهالي والوصول لهم في البيوت والمآتم، فكم من مؤسسة دينية أفسدت تلك العلاقة وجعلت من الدولة عدواً وخصماً وكم منزل هدمت فيه الأم الجسور التي بين أبنائها وبين الدولة، تلك مواقع لا يصل إليها الإعلام ولا تصل إلى عقلية وقلوب طلابها المدارس ولا حتى الأندية الشبابية بمراكزها، إنك بحاجة لتفكير خارج الصندوق وبحاجة لمن يحاكي قلوب روادها بلغة تماثل تلك الصورة.

صورة الساقي لرجال المطافئ لا بد أن تكون لنا أملاً ونبراساً في إمكانية أن نحدث تغييراً وفارقاً في المنظور السياسي لها كما المنظور الاجتماعي، رغم أنها مهمة ليست سهلة إلا أننا لا يجب أن نتأخر عنها أو نتركها فقط للزمن ليغيرها.