انشغلت وسائل الإعلام برئيس مجلس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري ووجوده بالرياض، ولا شك في أنه انشغال مبرر حتى أعلن عبر مقابلة له مع بولا يعقوبيان أنه حر في تقديم استقالته وفي السفر من الرياض.

وكان الاهتمام السعودي مؤخراً منصباً على الإصلاحات الاقتصادية للحاق بعربات التقدم المرتقبة على طريق الحرير الصيني المار بالخليج العربي، ومن أجل ذلك وتحقيقاً لرؤية 2030 السعودية جاء إعلان الأمير محمد بن سلمان لمشروعه الاقتصادي الضخم «نيوم»، والذي سيمتد من المملكة العربية السعودية إلى أراضٍ داخل الحدود المصرية والأردنية، ليكون أول منطقة خاصة ممتدة بين ثلاث دول. وستركز «منطقة «نيوم» على 9 قطاعات استثمارية متخصصة وهي، مستقبل الطاقة والمياه، ومستقبل التنقل، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل الغذاء، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل الترفيه، ومستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات، وفق ما نشرته وكالة الأنباء السعودية «واس». رافق ذلك إحالة فساد رجال «من العيار الثقيل» وأنظمة إلى العدالة لخلق بيئة اقتصادية نظيفة، في سابقة من نوعها خليجياً وربما عربياً.

إن التحولات التي تشهدها المملكة أجبرت سعوديين على الشعور بالغيض إزاء تزامن الارتباك اللبناني مع الإصلاحات الاقتصادية داخل المملكة ودخول السعودية طرفاً فيه، خيفة إرباك هذه الإصلاحات، فكيف تم التوقف عن الحديث في الكشف عن قضايا الفساد في المملكة والسكوت عن مشروع «نيوم» وغيره؟ في التفاتة نحو لبنان ومشكلاتها، في هذا الوقت بالذات. بينما هناك الكثير من القضايا التي تدخلت دول الخليج العربي لمعالجتها إقليمياً بقيادة سعودية، ما يجعل السعودية في غنى عن مزيد من الملفات في الوقت الراهن وتشتيت جهودها على نحو قد يسهم في عرقلة نمائها الاقتصادي المنطلق في تحدٍ مع الزمن.

وما زاد الأمر تأثيراً وزاد الخليجيين والسعوديين انزعاجاً، هو كيف تم اتخاذ موضوع الحريري ذريعة إيرانية لتقديم سيناريو مفبرك يبرر فعلتها القبيحة بالصاروخ الباليستي الذي مدت به الحوثيين لضرب الرياض، ليكون في نهاية المطاف صاروخاً كاذباً ابتدعته السعودية للتغطية على قضية استقالة الحريري كما تصوره إيران، وهو قول يجاوز المنطق لكل من يعرف إيران ومساعيها القذرة في المنطقة، ويعرف السعودية وأياديها النظيفة. السعودية ستبقى ماضية في مشروعها، وستحقق من أجل تنفيذه القفزات واحدة تلو الأخرى، وسنتابع بإعجاب وفخر كيف أن السعودية تقفز بخفة إلى مزيد من الواجهات الدولية وبسرعة الصاروخ.

* اختلاج النبض:

سيعود الحريري للبنان كما كان البلد بمماحكاته وأزماته الصغيرة، لكن الشقيقة الكبرى السعودية لن تعود كما كانت بعد رؤية 2030، لن تعود كما كانت بعد أن يتحقق «نيوم»، بل ولن تكون كما كانت بعد ما تم من إجراءات تصب في خانة محاربة سرطان الفساد.