لا تجرؤ الخواطر والشواغل الدنيوية كبيرة كانت أم صغيرة أن تلج إلى العقل والنفس في لحظات المحن والشدائد، هذه اللحظات أو الساعات العصيبة التي لا يوجد إنسان إلا وعاشها في حياته على اختلاف أنواعها «وفاة عزيز/ مرض عضال / فقدان وطن / كارثة طبيعية.. إلخ»، وهي مرحلة زمنية تتحول فيها النفس البشرية إلى محراب وقدس أقداس يناجي فيه المرء خالقه أن ينجيه مع أحبائه من هذا الكرب الشديد، وبعد انفراج الكربة لا يلبث المرء منا إلا أن يخرج من محرابه أو قدس أقداس نفسه التعبدية إلى فضاء الدنيا ومشاغلها الزهيدة رويداً رويداً حتى يتبرمج مرة أخرى على التململ من توافه الأمور وتعود الأيام سيرتها الأولى حيث الكبر والغرور.

وللأسف الكثير منا يجهل حتى الفارق في المعنى بين الكبر والغرور رغم أن أكثرنا تمرّس فيهما إلا من رحم الله، فالكبر هو النظرة الفوقية للآخرين وخاصة من هم دوننا علماً ومالاً وجنساً وعرقاً وحسباً ونسباً وما دون ذلك، والغرور هو من الاغترار والخديعة في النفس وهو الاطمئنان والركون لشيء ونحن على خطأ ولا ندري ذلك، فرب متواضع طيب ولكنه مغرور في نفسه، ويظن أنه على خير في أمر ما وهو ليس كذلك، ولحجة الإسلام أبوحامد الغزالي كتاب بديع في هذا الأمر وهو «الكشف والتبيين في غرور الخلق أجمعين»، إلا من عصمهم الله من صفوة عباده بالطبع، وعلى أي حال فطبيعة النفس البشرية مجبولة على الهلع والخوف، وما شاهدناه في الكويت بعد الهزة الأرضية من هرولة الناس إلى الشوارع في بضع ثوانٍ يكشف بوضوح ويقين حاجتنا إلى مراجعة النفس ومدى استعدادها ليوم الفزع الأكبر يوم تُبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار، أين الخوف والهلع والخشية من الخالق والذي نمنحه دائماً للمخلوقات؟! أين مراقبة النفس وكف اللسان والأيدي عن أذى الناس والتربص بهم؟!

أين الأخلاق والقيم الإنسانية والتي لا تحتاج منا لمجهود يُذكر إلا فقط بتقوى الله وأن نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا؟! هل كانت الهزة بالأمس مجرد هزة للأرض وما عليها أم هزة للنفوس وما بداخلها؟!.. هي فرصة وأجل ومنحة ربانية لعل عاقلاً يعقل أو قلباً يؤمن أو بصيرة تقود إلى النجاة.