نعيش زمن تحديات كبيرة، لا مجال فيه لتضييع الوقت.

هكذا أقرأ المشهد الحالي، بتزامن مع تحركات عديدة متسارعة تقدم عليها الدول المتقدمة، بالأخص في المجتمع الغربي، وتحديداً تلك التي لا تريد منح عنصر المباغتة أي فرصة.

إن كان العالم يتغير من حولك، ولم تتغير معه، فأنت تضع نفسك في موقع أكثر المتضررين حينما يأتيك التغيير بغتة، ويصبح أمراً واقعاً.

حينها تكون متعاملاً مع الوضع بـ«ردة فعل»، وقد تفرض عليك الظروف والأوضاع اتخاذ مسارات واتجاهات غير محبذة، لكن لو كان الاستعداد موجوداً منذ استقراء أولى مؤشرات التغيير، وتبعته عمليات استعداد، فإن التعامل سيكون بأسلوب «التأقلم».

ولماذا نقول «لا مجال لتضييع الوقت»؟!

التاريخ يكشف لنا في عديد من محطاته أن الوقت الذي تم إضاعته في عملية الوصول لخلاصة ما، أو التوافق على قرار وحراك معين، كانت له سلبياته بل أضراره، وقد يكون سبباً للوقوع في مستنقع وكارثة يصعب الخروج منه أو التعامل معها.

مواكبة متغيرات العالم أمر مهم جداً، وأن تصل متأخراً خير من ألا تصل على الإطلاق.

ولنبسط الوصف هنا لأسهل درجة، إذ في الثورة المعلوماتية والتكنولوجية بات حتى الأطفال الصغار ممن لم يدخلوا الروضات وحتى الصفوف الأولى في المدارس يعرفون كيف يتعاملون مع الأجهزة «اللوحية» والهواتف الذكية والحواسيب، في حين قد تجد في أماكن حساسة وهامة مسؤولين كبار، وعناصر لها خبرة زمنية طويلة لا تعرف كيف تفتح جهاز الكمبيوتر.

التأخر في مواكبة المتغيرات له تداعياته السلبية، وقد يتسبب في رمي كل الخبرة المتراكمة وحتى التاريخ في عرض الحائط، ويبدل كثيراً من الوجوه بأخرى، فقط لأن الأخيرة واكبت وتغيرت وتطورت ووصلت لمستوى يفوق من فاقها في العمر الزمني.

هذا إسقاط لتبسيط الفكرة، لكن المغزى الأكبر مما نقول، يتعلق بعملية الاستعداد للقادم على صعيد مجالات متباينة ومختلفة، فإن كنا نتحدث عن السياسة، فمنطقتنا الخليجية والعربية باتت اليوم منشغلة بهذه الشؤون أكثر من ذي قبل. نحن نرى حدة أزمات تتصاعد، ونرى بوادر حروب، ونرى خطاباً تصعيدياً يهدد أمننا القومي، في المقابل نرى استعداداً للحفاظ على كياناتنا وأمن شعوبنا ومصيرنا المشترك.

هذا الملف الساخن والخطير، كونه يمس حالة الوجود والبقاء، ولعلاقته بأمن المجتمعات، إن لم يعد له بطريقة صحيحة، وإن لم يستعد له منذ البداية عبر مواكبة دائمة للمتغيرات، والأهم عبر الاعتماد على الأدوات الصحيحة والبشر المؤهلين، فإنك ستواجه مشكلة كبيرة.

أما ما يكون بداخل المجتمعات، وهنا نتحدث عن منظومات العمل والاقتصاد وبناء المستقبل والتبادل بين الأجيال، فإن كل هذه الأمور تحتاج لإعداد مسبق يقوم على استقراء المستقبل وتحدياته.

اليوم منظوماتنا تحتاج إلى تحديث سريع، وهذه الحاجة لم تعد تأتينا كـ«رفاهية» أو «خيارات»، بل باتت «أمرا لازما»، التحديث في الكوادر وتطوير الطاقات، وعملية الإحلال للقيادات، وإبدال الوجوه القديمة التي أخذت وقتها وأكثر منه بقيادات «متعوب عليها» أمر مهم للاستمرارية والتطوير.

حتى في الاقتصاد، لا يمكنك أن تبنيه وتقويه وتطوره بالاعتماد على آليات العمل السابقة، خاصة وأن هذا المجال يتطور بشكل سريع ودائم، وإن لم تكن المواكبة بنفس السرعة من ناحية التخطيط والتحرك وتطوير الكفاءات وإحلال القيادات المتخصصة، فإن الأثر خطير جداً، كونك تتحدث عن عصب مهم وأساسي معني باستمرار وبقاء المجتمعات والشعوب في مناطق آمنة دافئة اقتصادياً ومالياً.

ما أريد بيانه نقطة بسيطة جداً، مفادها أننا طوال عقود عديدة أضعنا كثيراً من الوقت في عمليات «التأقلم» مع الظروف المحيطة والمفاجآت، وباتت الحاجة ملحة اليوم للانتقال للخانة التي تعطيك «التفوق» في مواجهة الظروف، تعطيك التفوق واستباق وقوع الأحداث بما تفرضه من إملاءات، الخانة التي تعطيك القدرة على استقراء المستقبل، والإعداد له، والتحرك السريع بشأنه، وتهيئة صفوف الكوادر المؤهلة لمواجهته.

ببساطة شديدة، حتى الأجهزة التكنولوجية بالغة التطور تحتاج إلى تحديث دائم «أبديت»، بالتالي كل شيء -وإن كان متطوراً- يحتاج لتحديث في التخطيط والتكتيكات والأدوات وطرق المعالجة، في أي مجال ومستوى كان.

العالم لا ينتظر أحداً أبداً، ومن سيظل على حالة الجمود، سيجد نفسه في الخلف عالقا في صعوبات ومستنقعات مشاكل تعصف به وباستقراره.