سنستكمل اليوم الحديث عن مواصفات قادة المستقبل في البحرين. فبالرغم من الجهود التي يبذلها معهد الإدارة العامة -متمثلاً بالدكتور رائد بن شمس وفريق عمله- في تهيئة القيادات الحكومية وهي جهود يُشكر عليها، إلا أن المرء لا يمكن أن يكون قائداً بمجرد حصوله على مؤهل معين أو خضوعه للتدريب اللازم، حيث إن المؤهلات والدورات لن تكون مجدية ما لم تتوفر مقومات القيادة.

فالمقومات هي البنية الأساسية التي تكون عادةً نابعة من الموهبة التي يمتلكها الإنسان وتعينه على النجاح، ولا يمكن أن تكون هذه المقومات ظاهرةً أو ملموسة ما لم يُفعلها الإنسان. والموهبة هي الميزة التي خصها الله عز وجل بها عباده ليتميزوا عن غيرهم في مجالات معينة.

ومن المهم أن يلبي المرشحون للمناصب القيادية متطلبات العمل الأساسية والحديثة من بينها معرفة استخدام تطبيقات الحاسب الآلي كبرنامج «Microsoft Office»، وإتقان إحدى اللغات الواسعة الانتشار لأغراض عدة. ومن المفترض أن تكون المناصب القيادية لأصحاب الهمم وليست لمن يسعون للوجاهة، لأن التجارب القيادية عموماً أولها حلاوة وآخرها مرارة.

وأرى ضرورة قيام الدولة بإنشاء قاعدة بيانات للبحرينيين الذي يملكون الخبرات والمقومات لتولي المناصب القيادية في الأجهزة الحكومية أو ضمن الأجهزة التنفيذية للشركات التي تعمل تحت مظلة شركة ممتلكات البحرين القابضة وشركة النفط والغاز القابضة، حيث يتعذر تغيير عدد كبير من المسؤولين بسبب الاعتياد على التعامل معهم حتى وإن كانت هناك مآخذ كثيرة عليهم. والإنسان لا يستطيع أن يظل فعالاً في نفس الوظيفة أكثر من «8» سنوات، وبالتالي يحتاج إلى نقلةٍ لكي يستمر في العطاء والإنجاز.

كما أرى ضرورة ضم عضوٍ جديد يمثل وزارة الداخلية في لجنة «تنظيم التعيينات في الوظائف العليا في الجهاز الحكومي» للمساهمة في إجراء مسحٍ أمني على المرشحين لتولي مناصب قيادية «من درجة مدير إدارة إلى درجة وكيل وزارة ومن في حكمهم» والتحقق من سجلهم الأخلاقي، وأن يشمل هذا المسح المرشحين لتولي رئاسة الأقسام بالوزارات والمؤسسات الحكومية.

وليس كل من يتولى منصباً وزارياً يعتبر مرجعية «إدارية» أو رجل دولة. فالمرجعية تتمثل في القائد الذي يتم الرجوع إليه من قبل القادة الآخرين لاتخاذ قرارٍ معين أو تنفيذ سياسة معينة. أما رجل الدولة -وهو في نظري أرفع مرتبةً من المرجعية- فهو القائد الذي يُحدث تغييراً جذرياً في شكل البلد سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً، ويمكن أن يتعدى هذا التغيير حدود البلد وينعكس على دولٍ أخرى. ولا يختلف اثنان على أن سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء وصاحب المعالي المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين، يعتبران من أبرز الشخصيات التي تحمل صفة «رجل الدولة»، من بعد القيادة السياسية العليا في البلاد.

إني أشعر بالأسى من أجل شبابٍ طموح ومتحمس يسعى للنهوض بالبلد لكن الدولة لم تتبناهم، وأقول لهؤلاء الشباب من أبناء جيلي وغيرهم بأن الأبواب لم تُغلق ولكن الدرب طويل وشاق، ولا مجال للتراجع.