كشف إطلاق الصاروخ الباليستي من كوريا الشمالية أن الإدارة الأميركية في ظل الرئيس دونالد ترمب تتبع سياسة عسكرية دبلوماسية مزدوجة الاتجاه، لكنها ليست بالتهور الذي يخافه العالم، حيث إنها تتبع مبدأ الدبلوماسية أولاً.

فقد أطلقت بيونغ يانغ صاروخاً عابراً للقارات، بعد ظهر الثلاثاء بتوقيت واشنطن، وبعد وقت قصير ظهر الرئيس الأميركي في البيت الأبيض مع زعماء الجمهوريين وكان يناقش معهم مسألة قانون الضرائب الجديد، وقال ترمب وهو يتحدث عن الصاروخ "سنتعامل مع الموضوع"، ثم أعطى الكلمة لوزير الدفاع جيمس ماتيس وكان يجلس على الطاولة والذي أكد أن الصاروخ الباليستي الذي أطلقته كوريا الشمالية وصل إلى ارتفاع غير مسبوق في تكنولوجيا الكوريين الشماليين.

يهدد واشنطن العاصمة

الحقيقة هي أن ما حدث غير مسبوق لجهة تهديد كوريا الشمالية لأمن الولايات المتحدة، فهده هي المرّة الأولى التي يصل فيها ارتفاع الصاروخ في أجواء الكرة الأرضية الى 4475 كيلومتراً، ثم حلّق 950 كيلو متراً وعاد عبر أجواء الكرة الأرضية ليضرب هدفه أو منطقة سقوطه كما هو مخطط له من قبل الكوريين.

هذه الأرقام والمعلومات تشغل بال الأميركيين جداً، لأن المسافة التي عبرها الصاروخ مجموعة تعني أن كوريا الشمالية تملك صاروخاً يستطيع ضرب كل أراضي الولايات المتحدة بما فيها الساحل الشرقي والعاصمة واشنطن، وهذا تطوّر ضخم في مستوى التهديد الذي وصلت إليه الصناعة الصاروخية الكورية.

إلى ذلك، يتوقف خبراء الصواريخ أمام تقدّم تقني آخر وهو صناعة صاروخ يتحمّل الخروج إلى الفضاء ثم يعبر عائداً في حرارة مرتفعة جداً، بسبب الاحتكاك بالغلاف الجوّي للكرة الأرضية من دون أن يذوب أو يتفتت أو ينفجر.

تهديد نووي؟

يبقى أن الخطر الأكبر يكمن في أن الكوريين الشماليين يعملون على إنتاج صاروخ يستطيع حمل قنبلة نووية صغيرة الحجم ويصل إلى هدفه، وهذا ليس مؤكداً بعد، حيث إن المسافة التي عبرها الصاروخ الكوري كانت بدون حمولة. وما يشغل بال الأميركيين هو التقدّم الصناعي السريع للعلماء الكوريين في بناء الصواريخ وربما أيضاً تفجير قنابل نووية وهيدروجينية كما حدث خلال هذا العام بما يساعدهم على وضع هذه الشحنات على رأس الصاروخ وتوجيه تهديد جدّي للولايات المتحدة ومدنها.

يعتبر الأميركيون التهديدات الكورية الشمالية كبيرة لكنها ليست "وجودية" خصوصاً أن الولايات المتحدة تملك ترسانة كبيرة من الصواريخ المضادة للصواريخ وهي قادرة على مواجهة صاروخ عابر من كوريا الشمالية إلى أراضيها، لكن فكرة حصول كوريا الشمالية على الصاروخ برأس نووية تبقى تهديداً ضخماً يجب التعامل معه.

الأدوار الأميركية

الساعات الماضية أبرزت الوجه الآخر للسياسة الأميركية، فمن جهة كان وزير الدفاع الأميركي في البيت الأبيض، ومن جهة أخرى أصدر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بياناً وضع خطة عمل دبلوماسية لمواجهة التهديد الكوري الشمالي، وقال وزير الخارجية الأميركي إنه "يجب عكس مسار السعي الدؤوب الذي تبذله جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية للحصول على أسلحة نووية ووسائل لإيصالها".

ودعا تيلرسون إلى مواصلة الدول جميعها لاتخاذ تدابير اقتصادية ودبلوماسية صارمة ضد كوريا الشمالية، وتنفيذ عقوبات الأمم المتحدة القائمة كلها وتعزيز الأمن البحري بما في ذلك "الحق في منع حركة الملاحة البحرية التي تنقل البضائع من جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وإليها"، بالإضافة إلى كل هذا دعت الولايات المتحدة إلى اجتماع للدول المعنية بأمن كوريا للاجتماع واتخاذ تدابير لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية.

الدبلوماسية أولاً

وفي مؤشّر على تعدّد الخيارات الأميركية وإعطاء الأولوية للدبلوماسية وليس للعمل العسكري، أشار تيلرسون في بيانه إلى أن "الخيارات الدبلوماسية قابلة للحياة ومفتوحة حتى الآن، ولا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بإيجاد سبيل سلمي لنزع السلاح النووي وإنهاء الأعمال العدوانية التي تقوم بها كوريا الشمالية".

هذا الإعلان يؤشّر على نيّة الولايات المتحدة متابعة العمل مع الصين وروسيا على مواجهة الخطر الكوري الشمالي، أما العمل العسكري فيبقى خياراً يلوّح به الأميركيون من دون الإسراع إليه.

وقد بدا واضحاً خلال الساعات القليلة بعد إطلاق الصاروخ الكوري الشمالي أن الإدارة الأميركية لديها سيناريو معدّ مسبقاً للتعاطي مع الحدث الأمني، "كما أن توزيع الأدوار بين الرئيس ووزرائه كان واضحاً"، فالرئيس ترمب قال: "سنتعامل مع الموضوع"، وبدا وكأنه يهدّد باستعمال القوة، فيما وزير الدفاع تحدّث فقط عن وقائع ما حدث من دون إطلاق تهديدات، أما وزير الخارجية فأخذ المبادرة لإطلاق عملية دبلوماسية واسعة.