* في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشتاق القلوب للقيا الحبيب عليه الصلاة والسلام، وتحن النفوس للارتواء من معين الخير من حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم، تلك الحياة الزاخرة بالعطاء والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.. فلم تكن حياة النبي صلى الله عليه وسلم حياة عادية ممكن أن تمر مرور الكرام لكل من قرأ سيرته، بل هي منهج حياة يجب أن نتأسى من خلالها بكل أقوال وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعيش معانيها وننهل منها ما يقربنا إلى المولى الكريم. قال تعالى «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً». وقال تعالى «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا». لذا فإن محبة النبي صلى الله عليه سلم والشوق إلى لقائه هو الركن الأصيل الذي يجب أن ينطلق منه المؤمن في حياته من أجل أن يعيش حياة محفوفة بالخير والبركات، فحري بالمؤمن أن تذوب أحاسيسه في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقرأ سيرته وأحاديثه التي تحيي موات القلوب، وتذكرنا بالخير الذي غفلنا عنه.. بكى جذع النخلة شوقا وحنينا لما تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنبر، وكان الحسن إذا ذكر حديث حنين الجذع وبكاءه، يقول «يا معشر المسلمين، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، شوقاً إلى لقائه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه».

* التقيته بعد غياب طويل.. سألت عنه وعن أحواله وأحوال أبنائه.. فأجاب: «العيال كبرت».. قالها وهو يضحك.. نعم العيال كبرت فلم تعد تجتمع بين أحضانه ويتلذذ باللعب معهم كما كانوا صغاراً.. لقد كبروا وكبرت معهم المسؤوليات، وبدأوا ينخرطون في معترك الحياة، ويبتعدون شيئاً فشيئاً عن تلك المساحة الجميلة التي تربوا في كنفها وعاشوا أجمل ذكريات الحياة من خلالها.. هم لم يكبرا حتى يبتعدوا.. بل كبروا حتى يستقلوا بذاتهم وينطلقوا لتأسيس حياة جديدة وأسرة أخرى تواصل مسير الحياة.. نعم هي الحياة هكذا تتنقل أحداثها من جيل إلى آخر.. ولكن يجب أن لا يكون ذلك الانتقال بمغزى الانفصال الشعوري الذي يبعد الآباء عن محبة أبنائهم، وهم من أفنوا زهرة حياتهم حتى يبنوا حياة حلوة لفلذات أكبادهم.. بل من هنا تبدأ حكاية جديدة من الحب والمودة والوفاء ورد الجميل.. فالحياة الحلوة بين الآباء والأبناء يجب أن تمتد إلى آخر لحظات العمر.. لا يوقفهم أي حاجز.. فهمهما كبرت الأعمال.. يبقى الأبناء في حضن الآباء يستمدون منهم حلو الحياة، ويسيرون ببركتهم، لأن رضاهم من رضا المولى الكريم.. نحتاج إلى أحاسيس حلوة نحملها في حقائب حياتنا ننثر قبلاتها على جبين من أفنوا حياتهم من أجلنا.

* ينزعج البعض من ارتقاء الآخرين وتميزهم في محيط الحياة، وتلف حياته الغيرة والنظرات الاستفزازية لأي نجاح قد يصعد سلمه أولئك المقربين منه في مجالات العمل.. إنه «حسد» ومرض نفسي ونفس مستعلية لا تقبل أن ترى غيرها يرتقي في سلم النجاح، ونفس تظن أنها الوحيدة التي يجب أن يعلى من شأنها، فلا تهتم بالعمل التعاوني لأنها تثق بقدراتها فقط، وتسعى أن تبرز نفسها في مختلف المواقف.. إنها أمراض حياتية لا يلتفت إليها صاحبها لأنه ينظر فقط من زاويته الشخصية ويرى أنه الأصوب دائماً.. قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تباغضوا ولا تحاسدوا..». وقال عليه الصلاة والسلام «دب إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء والحسد هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر».

* تحتاج إلى تغيير أسلوبك واتخاذ قرارات حازمة مع شخصيات كنت تعتقد أنك قادر على أن تتوافق معها من أجل تسيير قافلة النجاح ووصولها إلى بر الأمان.. ولكنك اكتشفت لحظة ما أنها لا تستحق كل هذا الاهتمام وكل هذا الوقت الذي تقضيه من أجل أن تكون معك.. فشريك النجاح هو من تنسم معك عبير الحياة الفواح، وتبادل معك ابتسامات المحبة، وشارك في صياغة سطور الخير التي صغتها لتقرأها أجيال النجاح.. تحتاج أن تتخذ قراراً حازماً مع أولئك المزعجين.. فليس كل من بادلك الابتسامات يستحق أن يبقى من جانبك.. لأنك اكتشفت حينها أنها ابتسامات خادعة من ورائها مصالح شخصية، وغدر بأحاديث تدور من حولك تطعن خاصرة الود المزعومة!!

* منذ أن كنا صغاراً نقرأ هذه العبارة «رضا الناس غاية لا تدرك».. وكبرنا وكبرت معنا مفاهيم الحياة ومنها هذا مفهوم هذه العبارة.. بالفعل ليس بوسعنا أن نلزم كل من نتعامل معه أن يتبادل معنا زهور الحب، وليس بوسعنا أن نرضي كل الناس.. فالناس بمشاربهم المتنوعة أضحوا يعيشون في دوامة خاصة بهم، ومهما فهمت نفسياتهم، فستظل أنت «المخطئ بحقهم» لأنهم لا يعرفون معنى «الاعتذار» ويتهجمون على كل من يقول أنهم مخطئون! لذا عش حياتك «بسعادة» ولا تلتفت لتلك المعاول الهدامة، ولا تلقي لها بالا في مسير حياتك.

* شكراً لتلك النفوس المتفائلة التي أحبتني بصدق، وتبادلت معي رسائل الود والاحترام والمشاعر الجياشة التي تضيء الحياة بأنوار العطاء.. ففي كل حقبة من الحياة.. تفوز بثلة من الأحباب تهمس معهم بهمسات الخير.. وترتجي من صحبتهم الأثر الجميل في حياة البشر.. حتى تصنع المنزلة العليا في جنان الخلد.. هؤلاء حافظ عليهم فهم رفقاء الطريق المخلصين.. فقد أحيوا في نفسك مضامين غابت لفترات طويلة عن حياتك.. واستطعت أن تجدد معهم أسلوب حياتك الرتيب.. بعادات حياتية ناجحة.. غيرت من نظرتك للحياة..

* ومضة أمل:

إلى متى سنظل نلبس ثوب الحزن عند فقد الأحباب، ونحن نبصر ذلك اليوم المحتوم الذي سوف نغادر فيه هذه الحياة؟ إلى متى سنظل نبكي على الماء المسكوب ونظلم تلك الزهور النضرة التي تنظر إلى مستقبلها السعيد بعين تبصر الأمل؟ دعونا نتنفس الأمل.. ونستمتع بلحظات الحياة.. ونستثمر كل لحظة فيها لنغرس غراس الخير.. فإنما أعمارنا أيام كلما ذهب يوم منها ذهب منها بعضنا!!