بشرى سارة تطالعنا بها حالياً بورصات التداول لبراميل النفط، حيث نجح الذهب الأسود مؤخراً في العودة تدريجياً إلى سعر مقبول وهو فوق 60 دولاراً. وقد ساهم في ذلك سياسة المملكة العربية السعودية -أكبر مصدر للنفط في العالم - التي انتهجتها في بداية أزمة هبوط الأسعار في 2015. حيث لم تتراجع عن حجم إنتاجها ولا حصتها في السوق العالمية حتى في أصعب الظروف واستطاعت بذلك أن تجبر شركات النفط الأمريكية المنافسة أن تتراجع وتنكمش ولو مؤقتاً. وزيارة خادم الحرمين الشريفين لروسيا مؤخراً ساعدت البلدين النفطيين على التنسيق حول كميات الإنتاج لهذه السلعة المهمة بحيث تبقى الأسعار العالمية مناسبة للمصدرين والمستهلكين على حد سواء. إذن، نحن نخرج تدريجياً من عنق الزجاجة ونتنفس الصعداء، حيث تشير بعض مجلات النفط المتخصصة إلى أن المستقبل القريب لا يحمل في طياته هبوطاً مماثلاً لما حدث في العاميين الماضيين ولا صعوداً يتجاوز المئة دولار شهدناه في سنوات سابقة. ونتمنى أن تكون هذه التخمينات سليمة وأن لا يعيد التاريخ نفسه كما حصل بعد عام 1998. ففي ذلك العام المشؤوم على مصدري النفط، هبط سعرالبرميل إلى 11 دولاراً «ما يعادل 17 دولاراً في وقتنا الحالي»، بسبب أزمة مالية عصفت بدول شرق آسيا وكانت لها تداعياتها المؤلمة على قيمة النفط السوقية. ولكن بفضل سياسة ناجحة طبقتها السعودية شبيهة بالسياسة الحالية استطاع النفط أن يسترد عافيته ويرتفع من جديد. والأبرز أن بعد عام 1998 بسنوات قليلة عاش الخليج تحديداً طفرة نفطية ومصرفية وعقارية استمرت حتى عام 2008.

صندوق النقد الدولي المتخصص في تقديم القروض للبلدان بالإضافة إلى إشرافه على سلامة الحالة الاقتصادية للدول الأعضاء أوصى في تلك الفترة ويوصي الآن دول الخليج بضرورة الإسراع في تأسيس نظام ضريبي يحميهم من تقلبات أسعار النفط. كما يصر على تطبيق سياسات مثل إصلاح سوق العمل، والتقليل من معوقات التجارة والتخلص من الدعم الحكومي للكهرباء والماء والمحروقات وإعادة توجيهه للمستحقين فقط وتخفيض باب الرواتب. والواضح أن أغلب توصياته قد بدأ تطبيقها فعلاً.

والملفت أن دول الخليج العربي، لم تلجأ إلى التوصية الأكثر تأثيراً على الناس بعد أزمة النفط في عام 1998، وهي الضرائب. حيث فضلت أن تكتفي بتطبيق التوصيات الأخرى أو أجزاء منها لكنها ابتعدت عن إزعاج مواطنيها بضرائب تقتطع من مداخيلهم الشهرية أو ترفع الأسعار وتخلق تضخماً مثل ما هو متوقع في حال تطبيق ضريبة القيمة المضافة مثلاً.

والبحرين كعادتها أخذت على محمل الجد توصيات صندوق النقد منذ بداية الألفية الجديدة فأسست هيئة تنظيم سوق العمل وتمكين «من ضمن التوصيات لصندوق النقد أيضاً تدريب المواطنين وتأهيلهم لدخول سوق العمل»، وتسعى لتشجيع التجارة وتقليص المعوقات التي تواجهها بالإضافة إلى الكثير من السياسات التحفيزية للنهوض بالاقتصاد. أي أننا قطعنا شوطاً كبيراً باتجاه ما يوصينا به صندوق النقد الدولي كي نصنع اقتصاداً أكثر صلابة.

ليس ذلك فحسب، بل نجح مجلس التنمية الاقتصادية في جذب استثمارات أجنبية وصل حجمها إلى 700 مليون دولار هذا العام. وعندما يطلع المرء على نقاط الجذب التي ركز عليها مجلس التنمية في تسويقه للبحرين نجد أنه يطمئن المستثمرين الأجانب بأننا دولة لا تفرض ضريبة دخل على الأفراد أو الشركات. وعندما يظهر اسم البحرين أولاً في استبيانات عالمية كبلد يفضله الأجنبي للإقامة فيه ونبحث في الأسباب نرى أنه بالإضافة إلى حسن المعاملة التي يلقاها الوافد عندنا فهو يضمن راتباً بدون ضريبة دخل ومعيشة ميسرة بحكم انخفاض نسبة التضخم لدينا.

والذي نفهمه من ذلك أن عدم وجود ضرائب يعتبر بلغة أهل الاقتصاد والمال أفضلية تنافسية تجعلنا خياراً مرغوباً للاستثمار والمعيشة مقارنة بدول أخرى.

ومن جانب آخر يتأرجح البحريني عامة ما بين مجموعتين أساسيتين، الأولى لديها فائض بسيط في مدخولها يؤهلها أن تعيش حياة فيها قدر محدود من الرفاهية، والثانية مدخولها يكفيها لسد الاحتياجات الأساسية فقط. وهو – أي البحريني – مازال مقتنعاً بأن وضعه الاقتصادي أقل من أشقائه وكان يتمنى دائماً أن يأتي اليوم لتسد هذه الفجوة لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

لذلك، و مع بدء تحسن سعر النفط نسبياً ولأن لنا وضعنا الخاص بالنسبة لأشقائنا الذين قد يبادرون ويسبقونا بفرض ضرائب بأشكالها المختلفة في بلدانهم نتمنى أن نتريث نحن بعض الشيء. فالضرائب في البحرين وعلى البحرينيين قد يكون لها وقع مختلف.

والبداية شهدناها مع تفاعل الناس مع بالونات الاختبار التي تتحدث عن ضريبة الدخل وغيرها. فالمراقب يتضح لديه وجود رفض عام من قبل الناس وتوجس وتخوف حول أي موضوع يؤثر أكثر على وضعهم الاقتصادي المتقلب أصلاً. وهو ليس مقاومة من حرس قديم أو شعب خامل لمبادرات جديدة كما سيفسره البعض قدر ما هو شعور حقيقي وتخوف في مكانه يزعج حتى ميسوري الحال.

والجدير بالذكر أن الضرائب مكروهة في كل مكان حتى في الدول الغربية المتقدمة التي تطبقها منذ أزمان. فالمرء في أي بقعة من الأرض لا يحبذ أبداً أن ينقص مدخوله. ولنا في حالات التهرب الضريبي سواء من الأفراد أو الشركات في الغرب خير مثال. فالمسألة لا علاقة بها بالتحضر والتقدم لمن يسعى إلى تجميل موضوع الضرائب عندنا.

بعد أزمة النفط في 1998، صبرت دولنا وتحملت وأبت أن تثقل كاهل شعوبها بالضرائب، والحال يتكرر الآن لذلك نتمنى أن تحلق بالونات الاختبار إلى الفضاء الخارجي ولا تعود إلى الأرض ونأمل أن يكون حاضرنا ومستقبلنا مشابهاً في رفاهيته لما عاشه الناس في الماضي القريب حتى وإن اشتدت الشدائد.

لا نعلم ما تخبئه لنا الأيام لكن سنبقى متفائلين حيث يطمئننا المولى عز وجل في كتابه بقوله «فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً»، صدق الله العظيم.