تناولنا في الجزئين السابقين من هذه المقالة أهداف الإرهابيين من قيامهم بأعمالهم الإرهابية وكيف أن وسائل الإعلام الدولية والربحية تجد فيها مادة خصبة للإثارة وجذب المشاهد وتحقيق الأرباح بشكل تتراجع وتتوارى معه المسؤولية المهنية والأخلاقية في المعالجة وهو ما تستغله الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها. وهنا يبدو منطقياً بعد عرض هذه الإشكالية متعددة الجوانب التساؤل عن.. ما هو الحل؟ هل الصورة قاتمة إلى هذا الحد؟ هل نحن أمام مجموعات إرهابية تعي وبوضوح ما تريد وتسعي إلى تحقيقه مستغلة رغبة الإعلام في الربح وكسب المشاهد دون أن يكون هناك مخرج يسهم في دعم وحماية الوطن والمواطن من تلك الأهداف الخبيثة؟

دعني اطمئنك قارئي بأن الإرهاب ومن استقراء الكثير من الباحثين للتاريخ لم ولن يمكنه أبداً تحقيق أهدافه وفرض رؤيته الراديكالية على الجماهير، ولكن من المهم أن يسهم الإعلام في دعم وعي هذه الجماهير فمن الأهمية بمكان أن تقوم وسائل الإعلام بإعادة تقييم وتغيير خطابها عند تغطية الأخبار والقصص المتصلة بالإرهاب. من خلال تغطية تلك الحوادث بطريقة أكثر مسؤولية وأقل إثارة، مما يقلص من استخدام التغطية الإعلامية كأداة دعائية، كما يحول دون ظهور جو من الخوف على المستوى العام. ويسهم في تقليل الضغط على الأجهزة الأمنية الناتج عن الضغوط الإعلامية على النخبة الأمنية بسبب رغبة الإعلام في الحصول على تصريحات حول ترجيحات بالمسؤولين عن الحادث، وأحياناً استباق الأحداث ويضع أجهزة الأمن في محرج متعلق بالتصريح بمعلومات قد تكون هناك ضرورة لسريتها من أجل التعامل الأمني مع الحدث وبالتالي، فإن التغطية الإخبارية مع تكرار أقل للمشاهد المروعة والصادمة للجمهور والتي تثير العواطف وتؤجج مشاعر الحزن والاتجاه نحو المزيد من المعلومات حول الحدث والهدف منه وتأثيراته الأمنية والاقتصادية على الوطن، يسهم في استجابة جماهيرية أكثر وعياً للواقع ويسهم في اشراك الجماهير في الأزمة مما يمهد الرأي العام أن يكون عنصراً فاعلاً ويكون جبهة جماهيرية مقاومة للإرهاب وتمثل حائط صد أمام تحقيق الأهداف التي يرجوها الإرهابيون.

أيضاً من الضروري أن نلتفت إلى أن الإرهابيين يهدفون إلى هز الثقة بين الجماهير والأجهزة الأمنية لذا من المهم أن يتم تكثيف المعالجة على الدور الأمني للأجهزة الأمنية ومعالجة الأخبار بشكل موضوعي حتي لا تنتشر معلومات متناقضة وتسهم في خلق جو عدم الثقة، وينبغي لوسائل الإعلام أن تقدم أوضح المعلومات وأكثرها واقعية وتوازناً إلى الحد الذي يمكن فيه منع سوء تفسير الحوادث المتصلة بالإرهاب من جانب الجمهور، فجزء من الحرب ضد الإرهاب يكون حرب معلومات ولا يجب أن تكون المعلومات غير المكتملة أحياناً أو التي مازالت في إطار التحقق منها ثغرة يستخدمها الإرهاب لإثارة الشكوك أو تقديم رؤي مغلوطه ولا يجب أن يتجاهل الخطاب الإعلامي أن يوجه جزء من التغطية الإعلامية للجمهور الخارجي حتى لو كان الحدث الإرهابي موجه للداخل والاستمرار في التأكيد على الفصل بين الإسلام والإرهاب. وذلك حتى يكون هناك توحيد لاستراتيجية إسلامية تؤكد على أن الإرهاب لا دين ولا وطن له واستغلال كل حدث للتأكيد على هذا الأمر. أيضاً من المهم، تعزيز معالجة أحداث الإرهاب على أنه حدث يستهدف النيل من أمن الوطن وإمداد الجمهور بكافة المعلومات والسلوكيات التي عليه القيام بها ليقف جنباً إلي جنب مع أجهزة الدولة أمام تلك الأهداف الماجنة، فأمن الوطن وتوعية الجمهور هو حائط الصد الأمثل أمام أي هجمة إرهابية ليقف الرأي العام مسانداً لأبناء الوطن من رجال الأمن.. حمي الله وطننا العربي من أية شرور.

* أستاذ الإعلام الرقمي المساعد