تستضيف البحرين خلال الفترة من 8 إلى 10 ديسمبر الجاري النسخة الـ 13 من منتدى حوار المنامة الاستراتيجي، حيث سيتصدر مكافحة التطرف والإرهاب أجندة المنتدى.

وبات المنتدى، واحدا من أهم الفعاليات السياسية والفكرية السنوية التي نجحت المملكة في تنظيمها، وتمكنت عبرها من استقطاب نخب العالم النافذة، والتعرف على رؤاهم وأفكارهم بشأن التحديات الأمنية التي يمكن أن تواجهها دول المنطقة، وكيف يمكن التعامل معها والتغلب عليها.

ونظراً للنجاح الذي حققته دورات المنتدى السابقة خلال أكثر من عقد كامل، سيما على صعيدي تعزيز الثقة بأجواء البحرين الآمنة، وتنظيم فعالية بهذا الحجم الكبير الذي يشهد حضوراً متميزاً، فإن منتدى هذا العام يسعى ليواصل مسيرته الناجحة في مناقشة أبرز أزمات العالم المعاصرة، وليضع خبرة كبار الدبلوماسيين والسياسيين والاقتصاديين القادمين من شتى أنحاء العالم في مواجهة هذه الأزمات والتحديات.


ومع الترتيبات التي تجري على قدم وساق لإخراجه بأفضل صورة ممكنة، تتميز دورة هذا العام من المنتدى عن سابقاتها في الكثير من الأمور، فمن جانب، فإنها تثير الاهتمام بقضايا لم يعد من الممكن التصدي لها بشكل منفرد، وتحتم البحث عن آليات لتنظيم العمل الجماعي لمجابهة مثل هذه القضايا والتحديات، وعلى رأس هذه القضايا: مكافحة التطرف والإرهاب.

ويستعرض الضيوف الذين يمثلون أكثر من 20 دولة في جلسات المنتدى كيف يمكن بناء نسق أمني مستقر بالمنطقة، وطبيعة السياسات ومستوى الشراكات الأمنية وشكل الاستجابات التي يمكن أن ترد بها دول الشرق الأوسط على مسألة التطرف، ودور الولايات المتحدة ـ تحديدا ـ في ضمان أمن واستقرار دول الإقليم ككل.

من جانب آخر، يتعاطى المنتدى ومناقشات خبرائه مع قضايا الأمن الإقليمي بشكل أكثر تفصيلاً وتركيزاً، باعتبار أن البداية المثلى لإيجاد الحلول للمشكلات والقضاء على التوترات وإنهاء الحروب في المنطقة تبدأ مع فهم مسبباتها، واستيعاب المبادئ الحاكمة لتفجر الصراعات حولها، والإحاطة بتداعياتها.

ومن بين أبرز هذه المشكلات التي يسلط المنتدى الضوء عليها الحرب في كل من اليمن وسوريا، والوضع في العراق، والأسس الواجب توفرها لتسوية الصراع هناك، خاصة في ظل التطورات السريعة الجارية، فضلا بالطبع عن قضايا داخلية أخرى تؤثر على أمن دول التعاون، وتلقي بظلالها السلبية على استقرار الإقليم ككل، وذلك من قبيل: التعاون الدفاعي في منطقة الخليج وسبل تنميته، وحتمية الإصلاح الاقتصادي في ظل أوضاع يفرضها انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وغير ذلك الكثير.

ورغم أهمية القضايا المثارة على الساحة، والتي تحتل مساحة واسعة من مناقشات المنتدى، فإن أكثر ما يميز دورة هذا العام من حوار المنامة الاستراتيجي، هو قدرته على تجميع هذا الحشد من كبار السياسيين ومسؤولي صنع القرار في المنطقة والعالم، وهي سنة حميدة استنها المنتدى، وتعد إحدى أهم سماته التي يتميز بها، وتضمن له تحقيق فارق بينه وبين كثير من المنتديات الشبيهة في بقية دول المنطقة والعالم.

ويُتوقع أن يشارك في أعمال المنتدى، عدداً كبيراً من وزراء خارجية ودفاع ورؤساء أركان ومسؤولي أجهزة أمنية واستخباراتية في العديد من الدول بالمنطقة وخارجها، فضلاً عن الباحثين والأكاديميين والدبلوماسيين والخبراء والمحللين السياسيين والاقتصاديين والمفكرين الاستراتيجيين من آسيا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وأوروبا وغيرها.

ولا شك أن وجود شخصيات مسؤولة ونافذة من شتى أنحاء العالم، لا سيما منها الدول الكبرى والمؤثرة، ومشاركتها خبراتها وآرائها مع المتخصصين والأكاديميين والاستراتيجيين وغيرهم من تأكد حضورهم أعمال المنتدى، يُكسب حوار المنامة الاستراتيجي في دورته لهذا العام أهمية قصوى سواء على مستوى فهم حقيقة السياسات والتيارات السائدة الحاكمة للنظامين الإقليمي والعالمي.

كما أن حضور هذه النخب المؤثرة في دوائر صنع القرار العالمي ومشاركاتها مواقفها وآرائها مناقشات المنتدى يسلط الضوء على ماهية الإجراءات المتخذة إزاء الكثير من المشكلات والأزمات الإقليمية والدولية على السواء، ويعطي مساحة أكبر للكشف عن بعض مكنوناتها، وهو ما يتيح دراسة الآليات والوسائل المناسبة التي تراها كل دولة مناسبة لها للتعاطي مع أزمة أو مشكلة أو تحد ما.

يشار إلى أنه خلال الدورات السابقة، أسهم المنتدى بفعل حواراته المكثفة والمثمرة في تحقيق التقارب في وجهات النظر بين بعض الأطراف والقوى الإقليمية والدولية، خاصة تجاه بعض المشكلات، كما كفل بفعل اللقاءات والاتصالات المباشرة التي تجرى بين الحضور في تحقيق التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات فيما بينها. هذا بالإضافة إلى أن أعمال المنتدى في نسخه الـ 12 الماضية مكنت الكثير من القوى والأطراف من إيجاد طرق مختلفة لتسوية وحلحلة بعض الأزمات، وذلك بفضل مخرجاته ونقاشاته المستفيضة، كما عكست المواقف والآراء التي طرحت خلالها مدى الحرص الذي تبديه الدول المشاركة فيه على التعاون وتقديم الدعم اللازم لمجابهة التحديات الملحة في المنطقة.

وانطلاقا من هذه النجاحات البارزة التي حققتها أعمال المنتدى، فإنه ينتظر الكثير من النجاحات الإضافية في النسخة الـ 13 المقرر تنظيمها الجمعة في البحرين، سيما أن حوار المنامة يؤكد دوما وعبر الأطراف الدولية المؤثرة والحاضرة فيه على أولوية أمن دول الخليج، والتزام الدول الكبرى بحمايته من أي تهديدات قد تناله أو حتى تقرب منه.

ومع العلاقات الوطيدة التي تربط دول كالولايات المتحدة وبريطانيا بدول مجلس التعاون الخليجي على الصعد كافة، سيما عقب الزيارة الناجحة الأخيرة لسمو ولي العهد لواشنطن، فإنه يتوقع أن يسهم منتدى حوار المنامة في دعم وتعزيز مسيرة العلاقات التي تربط دول الخليج العربية بالقوى الكبرى.

ويبدو هذا الأمر الأخير مهما لأكثر من اعتبار، ويعول عليه كثيراً في دورة هذا العام من أعمال المنتدى، حيث: القلق الواسع المثار في المنطقة على خلفية تصاعد مؤشرات العنف وصعوبة إيجاد حلول حاسمة ونهائية للمشكلات بها، وكذلك المخاوف من تجاوز بعض الدول ذات الأجندات التوسعية والتطلعية لحدودها إذا ما تخلت القوى الكبرى عن مسؤولياتها، فضلاً بالطبع عن التطورات الجارية في المنطقة وتأثيرها المحتمل على الدور المناط بمجلس التعاون ذاته كعامل استقرار في المنطقة، سيما بعد التطورات التي شهدها اليمن مؤخرا.

لذلك تبدو أعمال النسخة الـ 13 من منتدى حوار المنامة الاستراتيجي مهمة إلى درجة كبيرة، سيما أنه يجسد حقيقة التطمينات وقوة الضمانات التي يمكن أن تقدمها الحكومات، سيما منها حكومات الدول الكبرى والمعنية، للوفاء بالالتزامات المناطة بدولهم سواء لجهة تسوية المنازعات أو حلحلة الصراعات في المنطقة والعالم.