إن التاريخ يحمل المتناقضات، فقد كانت أرض فلسطين تسمى أرض كنعان وأنشأ اليبوسيون دولتهم فيها. أما الديانة اليهودية فهي ديانة سماوية والمكانة المقدسة للقدس قائمة في الأديان الثلاثة اليهودية التي لم يبق أهلها كثير في أرض فلسطين، وإنما كانت عاصمة دولة سيدنا سليمان بن داوود، وهذه الدولة لم تستمر سوى زهاء سبعين عاماً. وهجر البابليون اليهود في السبي البابلي الأول والثاني ثم أعادهم بختنصر، وهكذا سار التاريخ، وعندما احتل العثمانيون منطقة الشرق الأوسط لمدة أربعة قرون كانت القدس وفلسطين وكثير من الدول العربية الحالية خاضعة للعثمانيين باسم الخلافة. وعندما فتحت أرض الشام وكانت فلسطين جزءاً منها كان النصارى هم المسيطرون على القدس وكان اليهود ممنوعين من دخولها لما قاموا به من الوشاية بالسيد المسيح لدى الرومان.

وجاء تصريح اللورد بلفور وزير الخارجية البريطاني حول وطن لليهود في فلسطين مع احترام حقوق الآخرين من أصحاب العقائد والأديان الأخرى وعدم المساس بحقوقهم. ولكن الغدر الاستعماري والطمع الصهيوني ما لبث أن استولى على نصف فلسطين وقتل الكثير من الفلسطينيين الذي قاموا بعدة ثورات ضد الانتداب وضد هجرة اليهود الأوروبيين ولكن تحت تأثير الهولوكوست في أوروبا وخاصة في العهد النازي تعاطفت الشعوب الأوروبية مع اليهود ونسوا أصحاب الحق الشرعي المقيمين على الأرض وهم الفلسطينيين. العرب، والحضارة العربية الإسلامية كانت حضارة متسامحة مع الأديان السماوية بوجه خاص فقد عاش المسلمون والمسيحيون واليهود في سلام في تلك الأرض المباركة. حتى جاءت الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر فأحيت في اليهود مفهوم أرض الميعاد وهو مفهوم ديني وليس سياسي ثم جاءت الحرب العالمية الثانية وتم إصدار قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وأعطى مكانة خاصة للقدس باعتبارها مقدسة لدى الأديان الثلاثة وتجاهل أصولها العربية. فالضعيف عادة تسلب حقوقه والقوي المخادع يغتصب حقوق الآخرين، وهكذا توسعت إسرائيل على حساب العرب حتى جاءت هزيمة يونيه عام 1967، فاستولى الإسرائيليون على القدس واحتلوها كباقي فلسطين وأراض عربية في سيناء والجولان وجنوب لبنان. وأصدرت الأمم المتحدة قرارات تدين احتلال إسرائيل للقدس وضمها وأبرزها قراري 476 ثم 478 بخصوص القدس الشرقية وإدانة أعمال إسرائيل في القدس الشرقية وضمها إليها. وعاشت القدس مصونة في سيادتها العربية ولكن الإسرائيليين أخذوا يقطعونها جزءاً جزءاً مستغلين القوى العظمي المؤيدة لهم ومنتهزين فرصة ضعف العرب والفلسطينيين فأعلنوها عاصمة أبدية لإسرائيل وليست هناك عاصمة في العالم توصف بالأبدية ثم أخذوا في تهويد القدس الشرقية حيث الآثار الإسلامية والمسيحية وسعوا في خرابها توطئة للاستيلاء عليها، حتى جاء الرئيس ترامب رجل الأعمال اليهودي الأمريكي ليعلن على الملأ، صك جديد بأن القدس عاصمة إسرائيل دون الرجوع للتاريخ بدقة ودون احترام أهالي القدس وإرادتهم ودون الاستماع لنصائح مستشاريه ولا لنصائح الفرنسيين والإنجليز ولا لصوت الضمير العربي في نصائح قادة العديد من الدول العربية والإسلامية. ونكث بوعوده لهم بإقامة حل الدولتين وكان ينبغي أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية أما أن يعلن تبنيه لكونها عاصمة لإسرائيل فهي مثل وعد بلفور جديد.

ونحن كمسلمين وكعرب لا نأخذ حقوق الآخرين، فاليهود عاشوا في الدولة الإسلامية العربية واليهود معترف بهم في القرآن الكريم وكذلك أنبيائهم بخلاف موقف اليهود من العرب والمسلمين، والعرب هم أصحاب الحق التاريخي لأنهم أول من سكن تلك الأرض وأقام مدينة القدس وكانت تسمى مدينة يبوس.

والأمم المتحدة رغم ضعفها وسيطرة القوى العظمي على قراراتها لم تقدم مدينة القدس علي طبق من فضة لإسرائيل فجاء الرئيس الأمريكي ترامب ليقدمها هدية على طبق من ذهب لصديقه بنيامين نتنياهو المعبر عن الاتجاه المتطرف في إسرائيل.

الآن أتوجه بنداء للدول ذات المصداقية بأن تدعم الموقف الفلسطيني والعربي بإصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعروبة مدينة القدس وكونها عاصمة فلسطين وأن تتحرك الدول العربية والإسلامية في إطار تنظيماتها مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وعدم الانحياز والاتحاد الأفريقي وغيرها لتأكيد الحق التاريخي لفلسطين في القدس. وكعربي أدعو الدول العربية للتحرك سريعا وإصدار قرارات تؤكد أن القدس عاصمة فلسطين، ويتم استخدام ذلك في كافة البيانات والمستندات التي تصدرها المنظمات العربية والإسلامية والدول الصديقة، كما أدعو الفلسطينيين لنسيان انقساماتهم والصراع فيما بينهم ويفكروا في فلسطين.