أبوظبي - صبري محمود

أكد "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، الذي اختتم فعالياته مساء الأربعاء في أبوظبي، أن "قرار اعتبار القدس عاصمة إسرائيل يسعى لإذكاء نار التطرف والاختلاف، وأن المسلمين في العالم ضحايا الإرهاب وهم المتهمون بجميع قضايا الإرهاب".

وشدد البيان الختامي للمنتدى في أبوظبي على أنه "تم اختيار موضوع السلم العالمي والخوف من الإسلام لقطع الطريق على التطرّف، وإن تعاظم ظاهرة التطرف راجعة إلى قلة التواصل والتعارف بين بني البشر، وإن السبب المهيمن الذي ينبغي الإسراع في معالجته هو العلاقة بين الإسلام والإرهاب". وأشار البيان إلى أن "ملتقى تعزيز السلام قدم رؤى واضحة للسلم بين المجتمعات".



وأكد البيان أن "إعادة ترتيب البيت الإسلامي أول خطوات القضاء على ظاهرة الخوف من الإسلام". وأضاف أن "الأخوة الإنسانية أصل في التعامل بين المسلمين وغيرهم".

وأوضح البيان أن "كل المجتمعات أصبحت خليطا وهذا الأمر ينبغي أن يكون محفزا على التعارف والتعايش بينهم. - إن قيم الإسلام من شأنها تعزيز دور الحوار مع الآخر. وطالب البيان الختامي "بضرورة مراجعة المناهج الدراسية وجعلها خادمة للسلم ونابذة للتطرف".

عروبة القدس

كان المنتدى قد بدأ فعالياته بكلمة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح بدولة الإمارات أكد فيها "موقف الإمارات الثابت من عروبة القدس التي تمثل جوهر عملية السلام في الشرق الأوسط"، وقال إن "الإمارات ستواصل دعمها لهوية القدس العربية وللوضعية القانونية التي أرستها الاتفاقيات الدولية كافة بخصوصها وحقوق الشعب الفلسطيني"، وهو ما أعاد تأكيده مجلس الوزراء.

كما أكد أن "قضية القدس تشكل الضامن الأساسي للاستقرار في المنطقة، وجوهر عملية السلام، وأن دعم حقوق الشعب الفلسطيني يعد نهجاً راسخاً لدى الإمارات".

وشدد على "أهمية وجود مرصد إسلامي لرصد وتوثيق حالات الكراهية والعنف كافة ضد الإسلام والمسلمين في أي مكان بالعالم".

وأكد "ضرورة العمل مع الدول والشعوب كافة من أجل تحسين ظروف المعيشة، والقضاء على الفقر في كل مكان، وإتاحة الفرص الاقتصادية أمام الجميع".

ظاهرة الخوف

من جانبه، قال الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" في كلمته: "غرسنا شجرة السلام في هذا البلد الطيب ونحن الآن نجني ثمرات هذا الغرس، وأول هذه الثمرات هو هذا اللقاء المنتظم بين قادة وعلماء الدول الإسلامية وغيرها، من جميع الديانات، وهم أولو عقل وأولو تمييز". وأضاف أننا "بحاجة إلى العقلاء والحكماء، وهم موجودون في كل مكان، لكن المشكلة، أن هؤلاء لم يجمعوا جهودهم ولم يوحدوا صفوفهم، ليواجهوا الإشكالات التي يعاني منها هذا العالم، سواء في التنظير أو التنزيل".

ونوه الشيخ ابن بيه إلى أن "معالجة ظاهرة الخوف من الإسلام-الصورة والعوامل-لا تتقصد المحاكمات لأحد ولا المرافعات عن أحد، لأننا لا نريد أن نجعل من الملتقى منصة اتهام أو تبرئة، وإنما نبحث عن المقاربة الإيجابية التي تعيد الثقة بين المسلمين وغيرهم، وتجلي الصورة الحقيقية والصحيحة للإسلام. فبحثنا هو محاولة لتشخيص العلاج لهذه الظاهرة، من خلال رصدها، التي تتمثَّل في نمو خطابات الكراهية والتمييز، التي راحت تضخها أحزاب اليمين المتطرف والنازيات الجديدة، وهي أفكار ليست بجديدة، ولكن اللافت فيها أنها جذبت قطاعات واسعة من الجمهور، وراحت خطاباتها تسهم في صناعة السياسات في الدول الكبرى، وخاصة فيما يتعلق بالهجرة، وتحديد الموقف من الأقليات المسلمة، بل وحتّى في توجيه السياسة الخارجية أحيانا. نحاول تقديم خريطة طريق لمعالجة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" التي هي الوجه الآخر للتطرف. داعيا إلى فك الارتباط بين الإسلاموفوبيا وبين التطرف".

مشاعر الغضب

من جانبه، أكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، خلال كلمته التي ألقاها في الملتقي، إن "الأزهرُ يؤكد ما سبقَ أن أعلنَه في وثيقتِه حول القدس في 2011، وفي بياناتِه الأخيرة، أن عروبةَ القدسِ وهُويتَها غيرُ قابلةٍ للتغيير أو العبث، ولا شك في أن خُطوةً كهذه من شأنها تأجيجُ مشاعر الغضب لدى جميع المسلمين، وتهديدُ الأمنِ والسِّلمِ الدوليين، وتعزيزُ التوتر والانقسام والاستقطاب في العالم، فضلًا عن أن تلك الممارساتِ الظالمةَ والقراراتِ المنحازةَ تُفقِدُ الشعوبَ الثقةَ في نزاهة المجتمع الدولي، وتغذي رُوحَ الكراهية والانتقام، وتَزيد من حالة الحَنَقِ والإحساس بالتهميش والظلم لدى المسلمين، وتؤكد ما يجول في أذهان كثيرٍ منهم من وقوفِ بعضِ دول الغرب خلفَ هذه الجماعات الإرهابية، واستخدامِها كوسيلة لإضعاف المسلمين من داخلهم، واتخاذِ محاربة الإرهاب ذريعةً للاستيلاء على بلاد المسلمين بزعم حمايتهم وتخليصهم من هذا الإرهاب الأسود".

المقاربات السياسية

وتحدث الدكتور أحمد توفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في المملكة المغربية، عن "ظاهرة الخوف من الإسلام"، موضحاً أنه "لا يجوز أن تغيب المقاربات السياسية لمسألة السلم والسلام عن المقاربة الفكرية".

وأكد الدكتور محمد مطر سالم الكعبي، أمين عام منتدى تعزيز السلم، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الامارات، أن "للمنتدى أهمية بالغة، إذ يلتقي فيه هذا الجمع الكريم من السادة العلماء، ليواصلوا الجهود الرامية إلى تنقية مفاهيم الدين مما لحق به من تشويه وتحريف".

وأكد معالي لقمان حكيم سيف الدين، وزير الشؤون الإسلامية في إندونيسيا، أن "المنتدى يقوم بدور كبير في هذه المرحلة، ويأتي في أوانه، نظراً للحاجة الداعية إليه، سواء في المجتمع الإسلامي أو المجتمع الدولي"، مندّداً بالقرار الأمريكي الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وتحدث الدكتور سردار محمد يوسف، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في باكستان، عن موقف باكستان من القرار الأمريكي المجحف بخصوص القدس الشريف، وذكر أن "هذا لا يمكن أن يؤدي إلى السلام أبداً، لأنه من شانه أن يزيد في الكراهية والعنف".

وتحدث آدما ديينغ، المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف منع الإبادة الجماعية، واشاد "بجهود السلام في كل مكان وزمان، باعتبارها الوسيلة الوحيدة النافعة في إنقاذ الإنسان المعاصر وخلاصه من آفة التوحش".

الدين والهوية والسلم العالمي

وشهد اليوم الأول العديد من الجلسات منها جلسة "الدين والهوية والسلم العالمي"، وأدارها محمد الحمادي، المدير التنفيذي للتحرير والنشر في أبوظبي للإعلام، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد، وتحدثت فيها صابين خان مستشارة بمكتب مكافحة الإرهاب بالمملكة المتحدة،

وقال الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، في كلمته، خلال المنتدى، إن "السلم والوئام مفردة سائدة في المصطلح الإسلامي، وتصاحب المسلم في عبادته ومعاملاته، وإن السلام من أسمائه تعالى".

الإسلام والعالم

وناقشت جلسات اليوم الثاني للملتقى، عدداً من القضايا المتعلقة بعلاقة المسلمين بالعالم، وأهمية التعارف والتضامن بين الشعوب، وأسباب الخوف من الإسلام.

وتناولت جلسة بعنوان: "الإسلام والعالم"، وترأسها الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بجمهورية مصر العربية، وجلسة "الإسلام والعالم -مسارات التعارف والتضامن"، وترأسها الدكتور فيصل بن عبد الرحمن المعمر، الأمين العام لـ "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي لحوار الأديان"، فيما ناقشت جلسة "الخوف من الإسلام: الأسباب والسياقات"، وترأسها الدكتور محمد السنوسي عضو مجلس أمناء المنتدى.

300 مليون دولار

وقال الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، "إن دول العالم تنفق ما يقارب التريليون و300 مليون دولار على التسليح، يستخدم منها 7% فقط في الحروب".

وأضاف "إذا تم توجيه تلك النفقات على الرعاية الاجتماعية والاقتصادية لفقراء العالم لتغير الكثير من وجه العالم، وساد السلام في كثير من مناطقنا".

وشدد الوزير المصري على أن "إعلان الجهاد ليس حقاً لأحزاب أو أفراد، وشرعاً ليس حقاً لآحاد الناس أو أفرادهم، حيث يخضع للضوابط التشريعية، التي نصت على أن من له حق إعلان الجهاد أو التعبئة العامة وفقاً للمفهوم الحديث، هو الشخص أو الجهة التي نص عليها دستور كل دولة، وإلا إذا أعلن الجميع الجهاد في جهات متفرقة".

وقال الدكتور أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء إن "دول العالم تنفق نحو 93 % من الأموال على الحروب والتسليح، غير أن تلك الأموال تذهب سدى".

واختتمت فعاليات اليوم الثاني بالإعلان عن الفائز بـ "جائزة الإمام الحسن بن علي الدولية للسلم"، حيث كرّم سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، خلال احتفالية خاصة على هامش المنتدى ممثلي مبادرة "بيت العائلة المصرية" الفائزين "بجائزة الإمام الحسن" في دورتها الثانية التي تمنح لأكثر المؤثرين في صناعة السلم العالمي، وكرم سموه الدكتور محمود حمدي زقزوق الأمين العام لمبادرة "بيت العائلة ‏المصرية"، والأنبا أرميا الأمين العام المساعد، رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي.

فيما شهد اليوم الختامي العديد من ورش العمل، ضمن عناوين "من جهاد القتال إلى جهود الوصال"، و"جسور التعارف ودوائر التضامن"، و"استشراف مستقبل التعارف والتضامن في المجال الدولي".